للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولم يقل في حقه (١): وله في الدنيا نصيب، مع أن الرزق المقسوم له، يصل إليه لا محالة، للاستهانة بذلك، والإشعار بأنه في جنب ثواب الآخرة ليس بشيء، ولذلك قال سليمان عليه السلام: لتسبيحة خير من ملك سليمان.

فإن قيل: ظاهر اللفظ يدل على أن من صلى لأجل طلب الثواب، أو لأجل دفع العقاب، فإنه تصح صلاته، وأجمعوا على أنها لا تصح؛ لأن الرغبة في الإيمان والطاعة لا تنفع، إلا إذا كانت تلك الرغبة فيه، رغبة فيه لكونه إيمانًا وطاعة، وأما الرغبة فيه لطلب الثواب، وللخوف من العقاب فغير مفيد، لأنه يكون عليلًا مريضًا.

والجواب: أن الحرث لا يتأتى إلا بإلقاء البذر الصحيح في الأرض، والبذر الصحيح الجامع للخيرات، والسعادات، ليس إلا عبودية الله تعالى، فلا يكون العمل أخرويًا إلا بأن يطلب فيه رضي الله تعالى.

{وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ} ويقصد بأعماله الصالحة {حَرْثَ الدُّنْيَا}؛ أي: ثوابها ومتاعها وزخارفها وطيباتها، والمراد: الكافر أو المنافق، حيث كانوا مع المؤمنين في المغازي وغرضهم الغنيمة، ودخل فيه أصحاب الأغراض الفاسدة جميعًا. {نُؤْتِهِ}؛ أي: نعطه شيئًا كائنًا {مِنْهَا}؛ أي: من الدنيا حسبما قسمنا له أزلًا، لا ما يريده ويبتغيه، وقوله: منها متعلق بكائنًا المحذوف، الواقع صفة للمفعول الثاني، ويجوز أن تكون كلمة من للتبعيض؛ أي: بعضها، ومآل المعنى واحد، دلت الآية على أن طالب الدنيا لا ينال مراده من الدنيا.

وفي الحديث: "من كانت نيته الآخرة، جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته الدنيا، فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له".

{وَمَا لَهُ}؛ أي: لمريد الدنيا {فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}؛ لأنه لم يعمل للآخرة، فلا نصيب له فيها. و {مَنْ}: مزيدة للاستغراق؛ أي: ما له نصيب وحظ في الآخرة،


(١) روح البيان.