للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال شقيق البلخي رحمه الله تعالى: رأيت في طريق مكة مقعدًا، يزحف على الأرض، فقلت له: من أين أقبلت؟ قال: من سمرقند، قال: قلت: وكم لك في الطريق؟ فذكر أعوامًا تزيد على العشرة، فرفعت طرفي انظر إليه متعجبًا، فقال لي: يا شقيق، مالك تنظر إليّ، فقلت: متعجبًا من ضعف مهجتك، وبعد سفرتك، فقال لي: يا شقيق، أما بعد سفرتي فالشوق يقربها، وأما ضعف مهجتي فمولاها يحملها، يا شقيق، أتعجب من عبد ضعيف يحمله المولى اللطيف، فمن وصل إليه بشارة الله بفضله وجوده .. هان عليه بذل وجوده.

قرأ الجمهور (١): {يُبَشِّرُ}: بتشديد الشين من بشر المضاعف، وعبد الله بن يعمر، وابن أبي إسحاق والجحدري والأعمش وطلحة، في رواية: والكسائي وحمزة {يبشر} ثلاثيًا، وقرأ حميد بن قيس ومجاهد: {يبشر} بضم الياء وتخفيف الشين من أبشر الرباعي، وهو معدى بالهمزة، من بشر، اللازم المكسور الشين، وأما بشر بفتحها فمتعد، وبشر بالتشديد للتكثير لا للتعدية؛ لأن المتعدي إلى واحد، وهو مخفف لا يعلى بالتضعيف إليه، فالتضعيف فيه للتكثير لا للتعدية.

وبعد أن ذكر سبحانه، ما أخبر به نبيه - صلى الله عليه وسلم - من هذه الأحكام، التي اشتمل عليها كتابه، أمره أن يخبرهم: بأنه لا يطلب منهم بسبب هذا التبليغ أجرًا، فقال: {قُلْ} يا محمد لقريش قومك {لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ}؛ أي: لا أطلب منكم على تبليغ الرسالة {أَجْرًا}؛ أي: جعلا ولا نفعًا، كما لا يطلب الأنبياء من قبلي أجرًا على تبليغهم الرسالة {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} المودة (٢) مودة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والقربى مصدر، كالزلفى بمعنى القرابة، التي هي بمعنى الرحم. و {فِي} للسببية، أو بمعنى اللام، متعلقة بالمودة، ومودته كناية عن ترك أذيته، والجري على موجب قربته سمى عليه السلام المودة أجرًا، واستثناها منه تشبيهًا لها به، والاستثناء من قبيل قول من قال:


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.