يجوز، لقوله في قصة نوح عليه السلام وغيره من الأنبياء: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠٩)}.
قلت: لا نزاع في أنه لا يجوز طلب الأجر على تبليغ الرسالة، بقي الجواب عن قوله:{إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فالجواب عنه من وجهين:
الأول: معناه لا أطلب منكم إلا هذا، وهذا في الحقيقة ليس بأجر، نظير قوله:(وَلَا عَيْبَ فِيْهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوْفَهُمْ)، البيت، معناه: إذا كان هذا عيبهم، فليس فيهم عيب بل هو مدح فيهم؛ ولأن المودة بين المسلمين أمر واجب، وإذا كان كذلك في حق جميع المسلمين، كان في أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى. فقوله:{لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فالمودة في القربى ليست أجرًا في الحقيقة؛ لأن قرابته قرابتهم، فكانت مودتهم وصلتهم لازمة لهم، فثبت أن لا أجر البتة.
والوجه الثاني: أن هذا الاستثناء منقطع، وتم الكلام عند قوله:{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا}، ثم ابتدأ فقال:{إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}؛ أي: لكن أذكركم المودة في قرابتي، الذين هم قرابتكم، فلا تؤذوهم.
واختلف أهل العلم في قرابته - صلى الله عليه وسلم -. فقيل: علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم، وقيل: أهل بيته من تحرم عليهم الصدقة من أقاربه، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب، الذين لم يفترقوا في الجاهلية، ولا في الإِسلام.
روى مسلم عن زيد بن أرقم، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"إني تارك فيكم ثقلين، أولهما: كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله تعالى، واستمسكوا به"، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال:"وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي"، فقال له حصين: من أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرمت عليه الصدقة بعده، قال: ومن هم قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، انتهى.