للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومن دلائل قدرته تعالى، الموجبة لتوحيده، وصدق ما وعد به من البعث {خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ أي: خلقهما على هذه الكيفية العجيبة والصنعة الغريبة، فإنهما بذاتهما وصفاتهما يدلان على شؤونه العظيمة، والإضافة (١) في {خَلْقُ السَّمَاوَاتِ} من إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي: السموات المخلوقة، والأرض المخلوقة {وَمَا بَثَّ} وفرق ونشر {فِيهِمَا}؛ أي: في السموات والأرض، معطوف على السموات؛ أي: وفي خلق ما بث فيهما، أو على الخلق؛ أي: في خلق السموات والأرض، وفي ما بث فيهما {مِنْ دَابَّةٍ}؛ أي: من حي. فهو من إطلاق المسبب، وهو الدبيب وإرادة السبب، وهو الحياة. فتكون الدابة بمعنى الحي، فتتناول الملائكة، فإن الملائكة ذووا حركات طيارون في السماء، وإن كانوا لا يمشون في الأرض.

وفي "الخازن": فإن قلت: كيف (٢) يجوز إطلاق لفظ الدابة على الملائكة؟

قلت: الدبيب في اللغة: المشي الخفيف على الأرض، فيحتمل أن يكون للملائكة مشي مع الطيران، فيوصفون بالدبيب، كما يوسف به الإنسان. وقيل: يحتمل أن الله تعالى خلق في السموات أنواعًا من الحيوانات، يدبون دبيب الإنسان، وقيل: يحتمل أنه من إطلاق المثنى على المفرد، فيعود الضمير في {فِيهِمَا} إلى الأرض فقط، كما في قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢)} وإنما يخرجان من أحدهما وهو الملح.

يقول الفقير: إن للملائكة أحوالًا شى، وصورًا مختلفة، لا يقتضي موطنهم الحصر، في شيء من المشي والطيران، فطيرانهم إشارة إلى قوتهم في قطع المسافة، وإن كان ذلك لا ينافي أن يكون لهم أجنحة ظاهرة، فلهم أجنحة يطيرون بها. ولهم أرجل يمشون بها. والله أعلم.

{وَهُوَ} سبحانه وتعالى {عَلَى جَمْعِهِمْ}؛ أي: على جمع الأجسام وحشرهم بعد البعث للمحاسبة {إِذَا يَشَاءُ}؛ أي: في أي وقت شاء جمعهم {قَدِيرٌ}؛ أي:


(١) روح البيان.
(٢) الخازن.