للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الصحيحة، أن جميع ما يصاب به الإنسان في الدنيا. يؤجر عليه، أو يكفر عنه من ذنوبه، وقيل: هذه الآية مختصة بالكافرين، على معنى أن ما يصابون به، بسبب ذنوبهم، من غير أن يكون ذلك مكفرًا عنهم لذنب، ولا محصلًا لثواب، ويترك عقوبتهم عن كثير من ذنوبهم، فلا يعاجلهم في الدنيا، بل يمهلهم إلى الدار الآخرة، والأولى حمل الآية على العموم، والعفو يصدق على تأخير العقوبة، كما يصدق على هو الذنب ورفع الخطاب به.

فالله سبحانه (١) جعل للذنوب أسبابًا، لها نتائجها ومسبباتها، فشارب الخمر، يصاب بكثير من الأمراض الجسمية، والعقلية في الدنيا، وهي أثر من آثار ما اجترح من الذنوب، والتاجر غير الأمين، أو الكذاب، تصاب تجارته بالكساد، ويشهر بين الناس بالخيانة، فيحجمون عن معاملته، والحكام المرتشون، الظلمة، الذين يجمعون أموالهم بالسحت، يصابون بالفقر والعدم، ويصبحون مثلًا بين الناس، وإن لم يصبهم الفقر .. يصب أولادهم، فيصبحوا بحال يرثى لها، ويصيروا أحاديث الخاصة والعامة، والأمم الظالمة، التي لا تناصر بين أفرادها، بل بينها التقاطع، ويبتز بعض أفرادها أموال بعض آخر، تصاب بالمهانة بعد العظمة، والذلة بعد العزة، وما الأمثال في ذلك بعزيزة.

وقد تقدم أن قلنا في غير موضع: إن عقاب الأفراد في الدنيا ليس بالمطرد، إذ كثيرًا ما نرى سكيرًا عربيدًا، لا يصاب بأذى مما يفعل، ونرى تاجرًا يخون الأمانة، ولا يصاب بكساد في تجارته، وحينئذٍ يكون عقاب كل منهما مؤجلًا ليوم الحساب، إن شاء ربك عاقب، وإن شاء عفا بعد التوبة, عما فرط منهما من الذنوب، والآثام.

وأما عقاب الأمم على ما تجترح من السيئات، فهو محقق في الدنيا، ولدينا عظة التاريخ في القديم والحديث، فما من أمة تركت أوامر دينها، وخالفت نواميس العمران، إلا زالت وصارت كأمس الدابر، وأصبحت عبرة للباقين. ومثلًا


(١) المراغي.