وهو العلم النافع، المزيل للجهل الذي هو كالموت. وقال الراغب: سمي القرآن روحًا لكونه مببًا للحياة الأخروية، الموصوفة في قوله:{وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ}. ومعنى {مِنْ أَمْرِنَا}؛ أي: روحًا ناشئًا، ومبتدأ من أمرنا، والمعنى: وإيحاء مثل إيحائنا إلى سائر رسلنا، أوحينا إليك روحًا وقرآنًا ناشئًا بأمرنا وإرادتنا، ونازلًا من عندنا رحمةً وحياةً لعبادنا.
وقيل: الروح هو جبرائيل عليه السلام، والمعنى: أوحينا إليك جبرائيل بأمرنا وإرادتنا، كما أوحيناه إلى سائر رسلنا، فإن قلت: كيف علم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أول الأمر، أن الذي تجلى له جبرائيل، وأن الذي سمعه كلام الله تعالى؟
قلت: خلق الله تعالى له علمًا ضروريًا، علم به ذلك، والعلم الضروري يوجب الإيمان الحقيقي، ويتولد من ذلك اليقين، فإن الخشية على قدر المعرفة.
ثم ذكر سبحانه صفة رسوله، قبل أن يوحي إليه، فقال:{مَا كُنْتَ} يا محمد {تَدْرِي} وتعلم قبل النبوة في أربعين سنة. وجملة {مَا كُنْتَ} حال من كاف {إِلَيْكَ} كما في تفسير "الكواشي"{مَا الْكِتَابُ} والقرآن، أي: أي شيء هو.
والمعنى: ما تدري جواب هذا الاستفهام، والكلام على حذف مضاف؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب، وذلك أدخل في الإعجاز، وأدل على صحة نبوته، والاستفهام معلق للفعل عن العمل، وما بعده ساد مسد المقعولين {وَلَا} تدري ما {الْإِيمَانُ} بتفاصيل ما في تضاعيف القرآن، من الأمور التي لا تهتدي إليها العقول، لا الإيمان بما يستقل به العقل والنظر، فإن درايته - صلى الله عليه وسلم - له مما لا ريب فيه قطعًا، فإن أهل العلم اتفقوا على أن الرسل عليهم السلام، كانوا مؤمنين قبل الوحي، معصومين من الكبائر، ومن الصغائر الموجبة، لنفرة الناس عنهم، قبل البعثة وبعدها، فضلًا عن الكفر، وهو مراد من قال: لا يعرف القرآن قبل الوحي، ولا شرائع الإيمان ومعالمه، وقيل: المراد بالإيمان: الكلمة التي بها دعوة الإيمان والتوحيد، وهي لا إله إلا الله، محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والإيمان بهذا التفسير إنما علمه بالوحي لا بالعقل.
قال ابن قتيبة: لم تزل العرب على بقايا من دين إسماعيل، من الحج