بتشديد الميم، و {إن}: نافية، و {لما} بمعنى إلا، كما مر آنفًا. وقرأ أبو رجاء وأبو حيوة {لما} بكسر اللام، وخرجوه على أن {ما} موصولة، والعائد محذوف تقديره: للذي هو متاع الحياة الدنيا، كقوله: تمامًا على الذي هو أحسن، وإن في هذا التخريج هي المخففة من الثقيلة، وكل مبتدأ وخبره في المجرور؛ أي: وإنه كل ذلك كائن، أو مستقر للذي هو متاع الحياة الدنيا ذكره في "البحر المحيط". وعبارة "المراغي" في معنى هذه الآية؛ أي: ولولا أن يعتقد كثير من الجهلة، أن إعطاءنا المال للكفار دليل على محبتنا لمن أعطيناه، فيجتمعوا على الكفر ويرغبوا فيه، إذا رأوا سعة الرزق عندهم لجعلنا لبيوتهم سقفًا من فضة، ومصاعد من فضة وسررًا من فضة عليها يتكئون، وزينةً في كل ما يرتفق به من شؤون الحياة.
ثم بين أن هذه المتعة قصيرة الأمد، سريعة الزوال، فهي متاع الحياة الفانية، فقال:{وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ} إلخ؛ أي: وما كل ذلك إلا متاع قصير زائل، والآخرة بما فيها من ضروب النعيم التي لا يحيط بها عد ولا إحصاء، أعدها الله لمن اتقى الشرك والمعاصي، وعمل بطاعته، وآثر الآخرة على الدنيا.
وكذلك لو أعطيت هذه النعم والسرر والأبواب المصنوعة من الذهب والفضة للؤمنين، حتى يصير الناس كلهم مبسوطين، لأخلت بالمقصود من الإيمان؛ لأن الترف والنعيم يحجب العقول عن عالم الروحانيات، والرقي العقلي، فقل من يتخلص من شرك هذه الآفات، فالشهوات والزينة والزخارف للعقول، أشبه بالقاذورات للأجسام، والأجسام القذرة يحوم حولها الذباب، فيلقي فيها بيوضه لتفرخ في القروح والعيون، ويخرج ذباب يعيش من تلك القاذوات، وهكذا النفوس الضعيفة تعيش فيها النفوس المماثلة لها من عالم الشياطين، وتلقي إليها بذور الفساد، فتزرع فيها وتحصدها النفوس خزيًا وعارًا في الدنيا والآخرة، وهذا ما أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ ...} إلخ.
وأخرج الترمذي وابن ماجه والبغوي والطبراني عن سهل بن سعد رضي الله