والمعنى: أي ومن يتعام عن ذكر الله، ويعرض عنه، وينهمك في لذات الدنيا وشهواتها .. نسلط عليه شياطين الإنس والجن، يزينون له أن يرتع في الشهوات، ويلغ في اللذات، فلا يألو جهدًا في ارتكاب الآثام، والمحرمات على ما جرت به سنتنا الكونية، كما نسلط الذباب على الأجسام القذرة، ونخلق الحيات والعقارب والحشرات في المحالّ العفنة، لتلطف الجو وترحم الناس والحيوان، وهكذا النفوس الموسوسة للضعفاء توقعهم في الذنوب لاستعدادهم لها، فينالون جزاءهم من عقاب الله وعقوبات البشر واحتقارهم لهم إلى ما ينالهم من الأمراض الفتاكة، والأدواء التي لا يجدي فيها علاج، فيكون ذلك عبرة لهم ولغيرهم، وأنّى لهم أن تنفعهم تلك الذكرى، فقد فات الأوان ولا ينفع الندم على فائت.
قال الزجاج: معنى الآية: إن من أعرض عن القرآن، وما فيه من الحكم إلى أباطيل المضلين، يعاقبه الله بشيطان يقيضه له حتى يضله، ويلازمه قرينًا له، فلا يهتدي مجازاةً له، حين آثر الباطل على الحق المبين اهـ.
وقرأ الجمهور (١): {وَمَنْ يَعْشُ} بضم الشين من عشا يعشو كدعا يدعو؛ أي: يتعام بلا آفة في بصره، كعرج بفتح الراء، ويتجاهل عن ذكره وهو يعرف الحق، وقيل: يقل نظره في شرع الله، ويغمض جفونه عن النظر في ذكر الله، والذكر هنا يجوز أن يراد به القرآن، ويحتمل أن يكون مصدرًا أضيف إلى المفعول؛ أي: يعش عن أن يذكر الرحمن. وقرأ ابن عباس وعكرمة ويحيى بن سلام البصري:{ومن يعش} بفتح الشين، يقال: عشي الرجل يعشى عشيًا، من باب رضي إذا عمي وكان في بصره آفة، كعرج بكسر الراء، وقرأ زيد بن علي {يعشو} بالواو. قال الزمخشري: على أن {من}: موصولة غير متضمنة معنى الشرط، وحق هذا القارىء أن يرفع {نُقَيِّضْ} انتهى، ولا يتعين ما قاله، بل يصح أن تكون {مَنْ} شرطية، {يعشو} مجزوم بحذف الحركة تقديرًا، وقرأ الجمهور: