للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي}؛ أي: عن قربي وبعدي، ففيه مجاز بالحذف.

{الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}: {الرفث}: الجماع، وعداه بإلي وإن كان أصله التعدية بالباء؛ لتضمينه معنى الإفضاء، وحسن اللفظ به هذا التضمين، فصار ذلك قريبًا من الكنايات التي جاءت في القرآن من قوله: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا}، {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ}، {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} مثلًا.

{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ}.

جمعت (١) هذه الآية ثلاثة أنواع من البيان: الطباق المعنوي بقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ} فإنه يقتضي تحريمًا سابقًا، فكأنه قيل: أحل لكم ما حرم عليكم، أو ما حرم على من قبلكم، والكناية: بقوله: {الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} وهو كناية عن الجماع، والاستعارة البديعة بقوله: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} فإنه شبه (٢) كل واحد من الزوجين لاشتماله على صاحبه في العناق والضم باللباس المشتمل على لابسه؛ أي: كالفراش واللحاف، وحاصله أنه تمثيل لصعوبة اجتنابهن وشدة ملابستهن، أو لستر أحدهما الآخر عن الفجور.

{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} فيه مجازان (٣)؛ لأنه شبه بالخيط الأبيض ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق، وبالأسود ما يمتد معه من غبش الليل وظلامه، شبها بخيطين أبيض وأسود، وأخرجه من الاستعارة إلى التشبيه قوله: {مِنَ الْفَجْرِ} كقولك: رأيت أسدًا من زيد، فلو لم يذكر من زيد كان استعارة، وكان التشبيه هنا أبلغ من الاستعارة؛ لأن الاستعارة لا تكون إلا حيث يدل عليها الحال أو الكلام، وهنا لو لم يأت من الفجر .. لم يعلم الاستعارة.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *


(١) البحر المحيط.
(٢) جمل.
(٣) البحر المحيط.