للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بهذا السؤال أن يجادلوه ولم يسألوه للاستفادة، فبين الله سبحانه: أن جدالهم ليس لفائدة، إنما هو لخصومة نفس الإنسان فقال: {بَلْ هُمْ}؛ أي: قومك قريش {قَوْمٌ خَصِمُونَ}؛ أي: لدد شداد الخصومة بالباطل، مجبولون على اللجاج والخلاف، كما قال تعالى: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} وذلك لأنهم قد علموا أن المراد من قولهَ: {وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} هؤلاء الأصنام بشهادة المقام، لكن ابن الزبعرى لما رأى الكلام محتملًا للعموم بحسب الظاهر، وجد مجالًا للخصومة. وفي الحديث: "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه، إلا أتوا الجدل"، ثم قرأ {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ} الآية، أخرجه سعيد بن منصور، وأحمد في جماعة عن أبي أمامة.

ومعنى الآية (١): أي ولما ضرب ابن الزبعرى عيسى بن مريم مثلًا، وجادل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبادة النصارى له إذا قومك من هذا المثل، يرتفع لهم ضجيج وجلبة فرحًا وسرورًا، كما يرتفع لغط القوم ولجبهم إذا أعيوا في حجة، ثم فتحت عليهم، وقالوا: إن آلهتنا ليست خيرًا من عيسى، فإذا كان عيسى من حصب جهنم، كان أمر آلهتنا أهون، ما ضربوا لك المثل إلا لأجل الجدل والغلبة في القول، لا لإظهار الحق، فإن قوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} إنما ينطبق على الأصنام والأوثان، ولا يتناول عيسى والملائكة، ولكنهم قوم ذوو لدد في الخصومة، مجبولون على سوء الخلق واللجاج.

قال الزمخشري (٢): إن ابن الزبعرى بخبه وخداعه، وخبث دخلته، لما رأى كلام الله ورسوله محتملًا لفظه وجه العموم، مع علمه بأن المراد به أصنامهم، لا غير، وجد للحيلة مساغًا، فصرف معناه إلى الشمول والإحاطة بكل معبود غير الله، على طريقة المحك والجدال، وحب المغالبة والمكابرة، وتوقح في ذلك فتوقر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أجاب عنه ربه، بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١)} فدل به على أن الآية خاصة في الأصنام، انتهى.


(١) المراغي.
(٢) الكشاف.