للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القتل والإخراج بمن لم يسلم منهم عام الفتح.

{وَالْفِتْنَةُ}؛ أي: شركهم بالله وعبادة الأوثان في الحرم وصدهم لكم عنه {أَشَدُّ}؛ أي: أشر وأقبح. {مِنَ الْقَتْلِ}؛ أي: من قتلكم إياهم في الحرم الذي استعظمتموه، وإنما (١) كان الشرك أعظم من القتل؛ لأن الشرك بالله ذنب يستحق صاحبه الخلود في النار، وليس القتل كذلك، والكفر يخرج صاحبه من الأمة، وليس القتل كذلك، فثبت أن الفتنة أشد من القتل، وهذه الجملة جواب عن سؤال مقدر؛ تقديره: إن خفتم أن تقاتلوهم في الشهر الحرام وراعيتم حرمة الشهر والإحرام والحرم .. فالشرك الذي حصل منهم الذي فيه تهاون برب الحرم أبلغ، أو المعنى: والمحن التي يفتتن بها الإنسان كالإخراج من الوطن أشد؛ أي: أصعب من القتل، لدوام تعبها وبقاء تألم النفس بها.

{وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ}؛ أي: لا تبدؤوهم بالقتال {عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}؛ أي: في الحرم {حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ}؛ أي: حتى يبدؤوكم بالقتال فيه؛ أي: في الحرم {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ}؛ أي: فإن بدؤوكم بالقتال في الحرم {فَاقْتُلُوهُمْ}؛ أي: فقاتلوهم فيه ولا تبالوا بقتالهم فيه؛ لأنهم الذين هتكوا حرمته، فاستحقوا أشد العذاب، وقرأ حمزة والكسائي: {ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فإن قتلوكم} كله بغير ألف؛ والمعنى: حتى يقتلوا بعضكم، كقولهم: قتلنا بنو أسد.

واختلف العلماء في هذه الآية (٢) هل هي محكمة أم لا؟ فذهب مجاهد في جماعة من العلماء إلى أنها محكمة، وأنه لا يحل أن يقاتل في المسجد الحرام إلا من قاتل فيه وثبت في "الصحيح" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن مكة لا تحل لأحد قبلي ولا لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، ثم عادت حرامًا إلى يوم القيامة". فثبت بهذا تحريم القتال في الحرم إلا أن يُقَاتَلوا فيقَاتِلوا، ويكون دفعًا لهم.


(١) خازن.
(٢) خازن.