للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨)} بل بطريق إنكار الواقع واستقباحه، والتوبيخ عليه، والاجتراح الاكتساب، و {حَسِبَ} فعل ماض من أخوات ظن و {الَّذِينَ} فاعله، وجملة {أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} سادة مسد المفعولين لـ {حَسِبَ}، وقوله: {كَالَّذِينَ آمَنُوا} جار ومجرور لنفي موضع المفعول الثاني لـ {لجعل}، وقوله: {سَوَاءً}: بالنصب حال من الضمير في الظرف، والموصول معًا لاشتماله على ضمير الفريقين، على أن السواء بمعنى المستوي، و {مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} مرتفعان بالسواء على الفاعلية.

والمعنى (١): بل أظن الذين اكتسبوا الشرك والمعاصي، مع مالهم من مساوي الأحوال، أن نصيرهم في الحكم، مثل الذين آمنوا وعملوا الصالحات، مع ما لهم من محاسن الأعمال، ونعاملهم معاملتهم في الكرامة، ورفع الدرجة، حالة كون كلا الفريقين مستويًا، محياهم ومماتهم؛ أي: محيا الفريقين جميعًا ومماتهم، كلا لا يستوون في شيء منهما، فإن هؤلاء في عن الإيمان والطاعة، وشرفهما في المحيا، وفي رحمة الله ورضوانه في الممات، وأولئك في ذل الكفر والمعاصي وهوانهما في المحيا، وفي لعنة الله، والعذاب الخالد في الممات، وشتان بينهما، وقيل: المراد إنكار أن يستووا في الممات، كما استووا في الحياة؛ لأن المسيئين والمحسنين مستو محياهم في الرزق والصحة، وإنما يفترقون في الممات {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}؛ أي: ساء وقبح حكمهم هذا، على أن {مَا}: مصدرية، والفعل للإخبار عن قبح حكمهم، أو بئس شيئًا حكموه، ذلك على أن {سَاءَ} بمعنى بئس، و {مَا}: نكرة موصوفة بمعنى شيء، والفعل لإنشاء الذم.

وقرأ الجمهور (٢): {سواءٌ} بالرفع، و {مماتهم} بالرفع أيضًا، وأعربوا {سواءٌ} مبتدأ، وخبره ما بعده، ولا مسوغ لجواز الابتداء، بل هو خبر مقدم وما بعده المبتدأ، والجملة خبر مستأنف، والمعنى: إنكار حسبانهم أن محياهم


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.