للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الداعي إلى قلب ألفها هاء في مهما.

أي: (١) ولقد مَكَّنَّا عادًا الذين أهلكناهم بكفرهم فيما لم نمكنكم فيه من الدنيا، وأعطيناهم منها ما لم نعطكم مثله ولا قريبًا منه من الأموال الكثيرة، وبسطة الأجسام، وقوة الأبدان، وهم على ذلك ما نجوا من عقاب الله، فتدبروا أمركم، وفكروا فيما تعملون قبل أن يحل بكم العذاب، ولا تجدون منه مهربًا.

{وَجَعَلْنَا لَهُمْ}؛ أي: خلقنا لعاد، وأعطيناهم {سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً}؛ أي: قلوبًا ليستعملوها فيما خلقت له، ويعرفوا بكل منها ما نيطت به معرفته من فنون النعم، ويستدلّوا بها على شؤون منعمها عَزَّ وَجَلَّ، ويدوموا على شكرها، ولعل (٢) توحيد السمع وإفراده لأنه لا يدرك به إلا الصوت وما يتبعه بخلاف البصر، حيث يدرك به أشياء كثيرة، بعضها بالذات، وبعضها بالواسطة، والفؤاد يعمّ إدراك كل شيء، والفؤاد من القلب كالقلب من الصدر؛ سُمِّيَ به لتفؤده؛ أي: لتوقده وتحرقه {فَمَا}: نافية؛ أي: فيما {أَغْنَى} ودفع {عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ} حيث لم يستعملوه في استماع الوحي، ومواعظ الرسل، يقال: أغنى عنه كذا: إذا كفاه {وَلَا أَبْصَارُهُمْ} حيث لم يجتلوا بها الآيات التكوينية المنصوبة في صحائف العالم {وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ} حيث لم يستعملوها في معرفة الله سبحانه {مِنْ شَيْءٍ}؛ أي: شيئًا من الإغناء، و {مِنَ}: مزيدة للتأكيد.

والمعنى (٣): أي إنا فتحنا عليهم أبواب نعمنا، فأعطيناهم سمعًا فما استعملوه في سماع الأدلة والحجج ليعتبروا ويتذكروا، وأعطيناهم أبصارًا ليروا ما نصبناه من الشواهد الدالة على وجودنا فما اتنفعوا بها، وأعطيناهم قلوبًا تفقه حكمة الله في خلق الأكوان فما استفادوا منها ما يفيدهم في آخرتهم، ويقرِّبهم من جوار ربهم، بل صرفوها في طلب الدنيا ولذاتها، لا جرم لم ينفعهم ما أعطيناهم من السمع والأبصار والأفئدة، إذ لم يستعملوها فيما خلقت له من شكر من أنعم


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.