للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صلوات الله عليهم أجمعين، وقيل: غير ذلك من الأقوال المتلاطمة مما لا طائل تحتها.

ولمّا أمره بالصبر، وهو أعلى الفضائل .. نهاه عن العجلة، وهو أخس الرذائل، فقال: {وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ}؛ أي: لأجلهم، فـ {اللام} للتعليل والمفعول: محذوف؛ أي: لا تستعجل العذاب يا محمد لكفّار مكة؛ أي: ولا تطلب من ربّك عجلة العذاب لهم، فإنه نازل بهم لا محالة، ومهلهم ليستعدوا بالتمتعات الحيوانية للعذاب العظيم، فإنّي أمهلهم رويدًا، كأنَّه ضجر بعض الضمير، فأحب أن ينزل العذاب بمن أبى منهم، فأمر بالصبر، وترك الاستعجال، ونحو الآية لقوله تعالى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (١١) وقوله: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (١٧)}.

ثم أخبر بأنَّ العذاب إذا نزل بالكافرين .. استقصروا مدّة لبثهم في الدنيا، حتى يحسبونها ساعةً من نهار، فقال: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} من العذاب {لَمْ يَلْبَثُوا}؛ أي: لم يمكثوا في الدنيا، والتمتّع بنعيمها {إِلَّا سَاعَةً} يسيرةً وزمانًا قليلًا {مِنْ نَهَارٍ} لما يشاهدون من شدّة العذاب، وطول مدّته؛ يعني (١): أنَّ هول ما ينزل بهم ينسيهم مدّة اللبث، وأيضًا إنَّ ما مضى، وإن كان دهرًا طويلًا، لكنه يظن زمانًا قليلًا، بل يكون كأن لم يكن، فغاية التنعم الجسماني هو العذاب الروحانيّ كما في البرزخ، والعذاب الجسمانيّ أيضًا كما في يوم القيامة.

والمعنى: أي كأنّهم حين يرون عذاب الله الذي أوعدهم بأنّه نازل بهم، لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار؛ لأنّ شدّة ما ينزل بهم منه ينسيهم قدر ما مكثوا في الدنيا من السنين والأعوام، فيظنّونها ساعة من نهار، ونحو الآية قوله: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ في الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (١١٣) وقوله: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (٤٦)}.

{بَلَاغٌ}: خبر لمبتدأ محذوف؛ أي (٢): هذا القرآن الذي وعظتم به بلاغٌ


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.