واعلم: أنّ الله سبحانه قسم الناس في أول هذه السورة إلى فريقين (١):
أهل الكفر الذين صدّوا الناس عن سبيل الله، وهؤلاء يبطل أعمالهم، سواء كانت حسنةً كصلة الأرحام وإطعام الطعام، أو سيئة كالكيد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والصدّ عن سبيل الله، فالأولى يبطل الله ثوابها، والثانية يمحو أثرها، وهكذا كل من قاوم عملًا شريفًا، فإنّ مآله الخذلان.
وأهل الإيمان بالله ورسوله الذين أصلحوا أعمالهم، أولئك يغفر الله لهم سيئات أعمالهم، ويوفّقهم في الدين والدنيا، كما أضاع أعمال الكافرين ولم يثب عليها.
ثم علل ما سلف بأنّ أعمال الفريقين جرت على ما سنَّه الله في الخليقة بأنّ الحق منصور، وأنّ الباطل مخذول، سواء كان في أمور الدين أم في أمور الدنيا، فالصناعات المحكمة إنما يقبل الناس عليها، ويؤثرونها؛ لأنها جارية على الطريق القويم والنسق الحق، وهكذا الشأن في المزروعات، والمصنوعات المتقنة الجيّدة، والسياسات الحكيمة.
والصناعات المرذولة، والسلع المزجاة، لن يكون حظها إلا الكساد والبوار؛ لأنّ الباطل لا ثبات له، والحق هو الثابت، والله هو الحق فينصر الحقّ، والعلم الصحيح، والدين الصحيح، والصناعات الجيّدة والآراء الصادقة نتائجها السعادة، وضدّها عاقبته الشقاء والبوار.
وقصارى ذلك: أنّ الله سبحانه خلق السموات والأرض بالحق، وعلى قوانين ثابتة منظمة، فكل ما قرب إلى الحق كان باقيًا، وكل ما ابتعد عنه كان هالكًا، فرجال الجدّ والنشاط مؤيَّدون، ورجال الكسل والتواكل مخذولون، والمُحِقُّون في كل شيء محبوبون منصورون.