للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أحوال المؤمنين وفلاحهم، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم .. فأقول لكم: إذا لقيتم الذين كفروا، وقابلتموهم في المحاربة يا معشر المسلمين {فَضَرْبَ الرِّقَابِ}؛ أي: فاضربوا الرقاب منهم ضربًا، فحذف الفعل وأنيب المصدر منابه مضافًا إلى المفعول، والألف واللام في {الرِّقَابِ}: بدل من المضاف إليه؛ أي: فاضربوا رقابهم بالسيف، والمراد: فاقتلوهم.

وإنّما عبَّر (١) عن القتل بضرب الرقاب، لما في التعبير به من الغلظة والشدة ما ليس في نفس القتل، وهي: حز العنق، وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وأعلاه وأشرفه، وإرشادًا للغزاة إلى أيسر ما يكون منه، وفي الحديث: "أنا لم أبعث لأعذِّب بعذاب الله، وإنما بعثت بضرب الرقاب وشدِّ الوثاق"؛ أي: فاقتلوهم كيفما أمكنكم {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ}؛ أي: أضعفتموهم بالجراح، أو بالغتم في قتلهم، وأكثرتم القتل فيهم.، أو أثقلتموهم بالقتل والجراح حتى أذهبتم عنهم النهوض {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ}؛ أي: وثاق الأسير منهم؛ أي: اربطوا الأسير منهم على كتفه كيلا ينفلت عنكم، والوثاق: الحبل الذي يربط به الأسير، وقال أبو الليث: يعني: حتى إذا قهرتموهم وأسرتموهم .. فاستوثقوا أيديهم واربطوها من خلفهم كيلا يفلتوا، والأسر يكون بعد المبالغة في القتل.

قرأ الجمهور: {فَشُدُّوا} بضم الشين، وقرأ السلميّ: بكسرها {فَإِمَّا} تمنون عليهم {مَنًّا} بإرسالهم من غير فداء {بَعْدُ}؛ أي: بعد أسرهم، وشد وثاقهم {وَإِمَّا} تفدونهم {فِدَاءً} بمال أو بأسرى مسلمين.

وقرأ الجمهور (٢): {فِدَآءً} بالمدّ، وقرأ ابن كثير في رواية شبلٍ: {فدًى} بالقصر. والمنُّ: أن يترك الأمير الأسير الكافر من غير أن يأخذ منه شيئًا. والفداء: أن يترك الأمير الأسير الكافر، ويأخذ مالًا، أو أسيرًا مسلمًا في مقابلته، وإنما قدم المنّ على الفداء؛ لأنه من مكارم الأخلاق، ولهذا كانت العرب تفتخر به، كما قال شاعرهم:


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.