{وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ}{لو}: (١) للمضيّ، وإن دخلت على المستقبل؛ أي: ولو شاء الله سبحانه وتعالى الانتصار والانتقام من الكفار {لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ}؛ أي: لانتصر من هؤلاء المشركين، وانتقم منهم بعقوبة عاجلة، وكفاكم أمرهم؛ أي: لانتقم منهم بغير قتال، بأن يكون ببعض أسباب الهلكة والاستئصال، من خسف أو رجفة أو حاصب أو غرق أو موت ذريع أو نحو ذلك، ويجوز أن يكون الانتقام بالملائكة، بصيحتهم أو بصرعهم أو بقتالهم، من حيث لا يراهم الكفار، كما وقع في بدر. {وَلَكِنْ} أمركم بقتالهم {لِيَبْلُوَ} ويختبر {بَعْضَكُمْ} أيها الناس {بِبَعْضٍ} آخر؛ أي: أمركم بالقتال، وبلاكم بالكافرين، لتجاهدوهم فتستوجبوا الثواب العظيم؛ بموجب الوعد، فيعلم المجاهدين في سبيله، والصابرين على ابتلائه، وبلاء الكافرين بكم ليعاجلهم على أيديكم ببعض عقوبتهم، ويتّعظ منهم من شاء بمن أهلك بأيديكم حتى ينيب إلى الحق، فالحكمة من القتال هي امتحان الناس، واختبار صبرهم على المكاره، وفي الجهاد تقوية لأبدانكم، ورقي لعقولكم، ونفاذ لكلمتكم، وجمع لشملكم بما ترون من اتحاد عدوكم، وبه ترقى الزراعة والتجارة والصناعة وجميع العلوم، إذ لا يتم حرب ولا غلبة إلا بها.
ثم ذكر الله سبحانه وتعالى جزاء المجاهدين في سبيله، فقال:{وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ}؛ أي: استشهدوا يوم بدر، ويوم أحد وفي سائر الحروب {فَلَنْ يُضِلّ} الله سبحانه، ويضيع {أَعْمَالَهُمْ} بل يثيبهم عليها؛ أي: والذين جاهدوا أعداء الله في طاعة الله، وطلب مرضاته، ونصرة ما بعث الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الهدى، سواء قتلوا في الجهاد أو لم يقتلوا، فلن يجعل الله أعمالهم التي عملوها في الدنيا ضائعة سدى، كما أذهب أعمال الكافرين، وجعلها عديمة الجدوى.
روى أحمد عن المقدام بن معدي كرب الكندي رضي الله عنه: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يعطى الشهيد ست خصال عند أول قطرة من دمه: تكفر عنه كل خطيئة، ويرى مقعده من الجنة، ويزوّج من الحور العين، ويأمن من الفزع