للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رضي الله عنه: أكتب ما يريدون، فهمَّ المسلمون أن يأبوا ذلك، ويبطشوا بهم، فأنزل الله السكينة عليهم، فتوفروا، وحلموا مع أنّ أصل الصلح لم يكن عندهم بمحلٍّ من القبول في أول الأمر، حين قالوا: علام نعطي الدنيَّة في ديننا، وهم مشركون ونحن مسلمون؟ كما سبق، وقيل: ثبتهم على الرضا والتسليم.

{وَأَلْزَمَهُمْ}؛ أي: ألزم الله تعالى رسوله والمؤمنين {كَلِمَةَ التَّقْوَى}؛ أي: اختار لهم كلمة يُتَّقى بها من الشرك؛ أي؛ كلمة لا إله إلا الله، كذا قال الجمهور، وزاد بعضهم: محمد رسول الله، وزاد بعضهم: وحده لا شريك له، حتى قالوها، وهذا إلزام الكرم واللطف، لا إلزام الإكراه والعنف، وأضيفت إلى التقوى؛ لأنها سببها، إذ بها يتقى من الشرك ومن النار، فإنَّ أصل التقوى: الانتقاء عنها، وقد وصف الله تعالى هذه الأمة بالمتقين في مواضع من القرآن العظيم، باعتبار هذه الكلمة، وقال الزهريّ: هي: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وذلك أنَّ الكفار لم يقروا بها، وامتنعوا من كتابتها في كتاب الصلح الذي كان بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما ثبت ذلك في كتب الحديث والسير، فخصَّ الله بهذه الكلمة المؤمنين، وألزمهم بها، وهي من شعار هذه الأمة وخواصِّها، اختارها لهم، وصار المشركون محرومين منها، حيث لم يرضوا بأن يكتب في كتاب الصلح، والأول: أولى، وعن الحسن: كلمة التقوى: هي الوفاء بالعهد، فإنَّ المؤمنين وفوا بالعهد، حيث نقضوا وعاونوا من حارب حليف المؤمنين.

والمعنى على هذا: وألزمهم كلمة أهل التقوى: وهي العهد الواقع في ضمن الصلح، ومعنى إلزامها إياهم: تثبيتهم عليها، وعلى الوفاء بها.

{وَكَانُوا}؛ أي: وكان المؤمنون {أَحَقَّ بِهَا}؛ أي: بكلمة التوحيد من الكفار في سابق علمه {وَأَهْلَهَا}؛ أي: مستأهلين لها، ومختصين بها في الدنيا دونهم؛ لأنَّ الله تعالى اختارهم لصحبة نبيّه - صلى الله عليه وسلم -، وهو عطف تفسير لما قبله.

قيل: إنّ الذين كانوا قبلنا، لا يمكن لأحد منهم أن يقول: لا إله إلا الله في اليوم والليلة إلا مرةً واحدة، لا يستطيع أن يقولها أكثر من ذلك، وكان قائلها يمدُّ بها صوته حتى ينقطع النفس؛ التماس بركتها وفضلها، وجعل الله لهذه الأمة