لأصحابه وقت خروجه إلى الحديبية: والله {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} تعالى حالة كونكم {آمِنِينَ} من العدوّ، فلا تخافون عدوّكم من أن يخرجكم في المستقبل، وهو حال من فاعل {لَتَدْخُلُنَّ}. والشرط: معترض، وكذا قوله:{مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ}؛ أي: جميع شعورها {وَمُقَصِّرِينَ} بعض شعورها؛ أي: محلّقًا بعضكم، ومقصّرًا آخرون، وإلا فلا يجتمع الحلق والتقصير في كل واحد منهم، فالنظم من نسبة حال البعض إلى الكل؛ يعني: أنّ الواو ليست لاجتماع الأمرين في كل واحد منهم، بل لاجتماعهما في مجموع القوم، ثمّ إنّ قوله:{مُحَلِّقِينَ} و {وَمُقَصِّرِينَ} من الأحوال المقدرة، فلا يرد أنّ حال الدخول هو حال الإحرام، وهو لا يجامع الحلق والتقصير، وقدّم الحلق على التقصير: وهو قطع أطراف الشعر؛ لأن الحلق أفضل من التقصير، وقد حلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى، وأعطى شعر شق رأسه أبا طلحة الأنصاري، وهو زوج أمّ سليم: وهي والدة أنس بن مالك، فكان آل أنس يتهادون به بينهم، وروي: أنه - صلى الله عليه وسلم - حلق رأسه أربع مرّات، والعادة في هذا الزمان في أكثر البلاد حلق الرأس للرجل، عملًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "تحت كل شعرة جنابة، فخلّلوا الشعر، وأنقوا البشرة". وإنما قلنا: للرجل؛ لأنّ حلق شعر المرأة مثلة، وهي حرام، كما أنَّ حلق لحية الرجل كذلك، فقوله:{لَتَدْخُلُنَّ} إشارة إلى أداء الحج، و {مُحَلِّقِينَ} إشارة إلى تمام الحج، فقوله:{لَا تَخَافُونَ} من العدوّ، فيبقى أمنكم بعد خروجكم عن الإحرام، حال مؤكدة من فاعل {لَتَدْخُلُنَّ} أو استئناف جوابًا عن سؤال أنه كيف يكون الحال بعد الدخول؟ أي: لا تخافون بعد ذلك من أحد.
وتلك الرؤيا أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى عام الحديبية قبل خروجه إلى الحديبية: كأنه وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين، وقد حلقوا رؤوسهم وقصروا، فقصّ الرؤيا على أصحابه، ففرحوا وحسبوا أنهم داخلوا مكة في عامهم، فلمّا خرجوا معه - صلى الله عليه وسلم -، وصدّهم الكفار بالحديبية، ورجعوا، وشقّ عليهم ذلك .. قال عبد الله بن أبي وعبد الله بن نفيل ورفاعة بن الحارث: والله ما حلقنا ولا قصرنا, ولا رأينا المسجد الحرام، فنزلت هذه الآية المذكورة، ولمّا نزلت هذه الآية .. علم المسلمون أنهم يدخلونها فيما يستأنف، واطمأنت قلوبهم، ودخلوها معه - صلى الله عليه وسلم - في