قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ ...} الآية، مناسبتها لما قبلها: أنّ الله سبحانه لمّا نهى فيما سلف عن السخرية بالناس، والازدراء بهم، وعن اللمز والتنابز بالألقاب .. ذكر هنا ما يؤكّد النهي، ويؤيّد ذلك المنع، فبين أنّ الناس جميعًا من أب واحد وأمّ واحدة، فكيف يسخر الأخ من أخيه، إلى أنه تعالى جعلهم شعوبًا وقبائل مختلفة ليحصل بينهم التعارف والتعاون في مصالحهم المختلفة، ولا فضل لواحد على آخر إلَّا بالتقوى والصلاح وكمال النفس لا بالأمور الدنيويّة الزائلة.
قوله تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ...} إلى آخر السورة، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لمّا حّث (١) الناس على التقوى .. وبّخ من في إيمانه ضعف من الأعراب الذين أظهروا الإِسلام وقلوبهم وغلة؛ لأنّهم كانوا يريدون المغانم، وعرض الدنيا إذ جاؤوا في سنة مجدبة، وكانوا يقولون لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: جئناك بالأثقال والعيال، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان؛ يريدون بذكر ذلك: الصدقة والمنّ على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فاطلع الله نبيّه - صلى الله عليه وسلم - على مكنون ضمائرهم، وأنهم لم يؤمنوا إيمانًا حقيقيًّا، وهو الذي وافق القلب فيه اللسان، وأمرهم أن يقولوا: استسلمنا وخضعنا.
ثمّ أخبرهم بأنهم إن اتقوا الله حق تقاته .. وفّاهم أجورهم كاملة غير منقوصة.
ثمّ بيّن أنّ من علامة الإيمان الكامل: التضحية بالنفس والمال في سبيل الله، ببذلهما في تقوية دعائم الدين، وإعلاء شأنه، وخضد شوكة العدوّ بكل السبل الممكنة.
ثمّ أعقب هذا: بأن الله يعلم ما هم عليه من إيمان ضعيف أو قويّ، إذ لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وأنه لا ينبغي للمؤمن أن يمتّن على