الأول: أنّ في هذه الآية تنبيهًا على قدره - صلى الله عليه وسلم -، والتأدب معه بكل حال، فهم إنّما نادوه لعدم عقل يعرفون به قدره، ولو عرفوا قدره .. لكانوا كما في الخبر يقرعون بابه بالأظافير، وفي المناداة إشارة إلى أنهم رأوه من وراء الحجاب، ولو كانوا من أهل الحضور والشهود .. لما نادوه.
قال أبو عثمان المغربي رحمه الله تعالى: الأدب عند الأكابر، وفي مجلس السادات من العلماء والأولياء، يبلغ بصاحبه إلى الدرجات العلى، والخير في الأولى والعقبى، فكما لا بد من التأدّب معه - صلى الله عليه وسلم -، فكذا مع من استنّ بسنته: كالعلماء العاملين، وكان جماعة من العلماء يجلسون على باب غيرهم، ولا يدقّون عليه بابه حتى يخرج لقضاء حاجته احترامًا، قال أبو عبيدة القاسم بن سلّام: ما دققت الباب على عالم قط، كنت أصبر حتى يخرج إليّ، لقوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} الآية.
قال بعضهم: من الحكمة توقير الكبير، ورحمة الصغير، ومخاطبة الناس بالليّن. وقال: إن كان خليلك فوقك .. فاصحبه بالحرمة، وإن كان كفأك ونظيرك .. فاصحبه بالوفاء، وإن كان دونك .. فاصحبه بالمرحمة، وإن كان عالمًا .. فاصحبه بالخدمة والتعظيم، وإن كان جاهلًا .. فاصحبه بالسياسة، وإن كان غنيًا .. فاصحبه بالزهد، وإن كان فقيرًا .. فاصحبه بالجود، وقال بعض الحكماء: عاشروا الناس معاشرة، إن متّم .. بكوا عليكم، وإن رغبتم .. حنّوا إليكم.
والثاني: ذم الجهل، ومدح العقل والعلم، فإن شرف العقل مدرك بضرورة العقل والعلم والحس، حتى إنّ أكبر الحيوانات شخصًا، وأقواها بدنًا، إذا رأى الإنسان .. احتشمه وخاف منه؛ لإحساسه بأنّه مسئول عليه بحيلته، قال بعضهم: