للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا خلاف (١) بين العلماء في أنّ الغيبة من الكبائر، وأنّ على من اغتاب أحدًا التوبة إلى الله تعالى، أو الاستغفار لمن اغتابه أو الاستحلال منه، وعن شعبة قال: قال لي معاوية بن قرّة: لو مرّ بك رجل أقطع - مقطوع اليد - فقلت هذا أقطع .. كان غيبة، قال شعبة: نعم، فذكرته لأبي إسحاق، فقال: صدق.

ثم ضرب سبحانه مثلًا للغيبة للتنفير والتحذير منها، فقال: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ} أيها المؤمنون {أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ} حال كون الأخ {مَيْتًا} وقرأ نافع: بتشديد الياء، وهو حال من اللحم أو من الأخ، والاستفهام للإنكار، فهو بمعنى النفي؛ أي: لا يحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا {فـ} لو عرض عليكم لحمه {كَرِهْتُمُوهُ}؛ أي: كرهتم أكله، فكما تكرهون أكل لحمه ميتًا .. فاكرهوا أكل لحمه حيًا، وهو اغتيابه، وقرىء: {كَرِهْتُمُوهُ} بغير فاء؛ أي: جبلتم على كراهته، فـ {الفاء} فيه: عاطفة على منفيّ مقدر معلوم من الاستفهام الإنكاري، كما قدّرنا، وقيل: لفظه خبر، ومعناه: الأمر، ولذلك عطف عليه {وَاتَّقُوا اللَّهَ}. و {الفاء} حينئذٍ: فصيحية؛ أي: فإذا كرهتم أكل لحمه ميتًا .. فاكرهوا الغيبة التي هي نظير ذلك {وَاتَّقُوا اللَّهَ} بترك ما أمرتم باجتنابه، وبالندم على ما صدر منكم من قبل.

وقرأ الجمهور (٢): {فَكَرِهْتُمُوهُ} بفتح الكاف وتخفيف الراء، وقرأ أبو سعيد الخدري وأبو حيوة: {فَكرَّهْتموه} بضم الكاف وتشديد الراء المكسورة، ورواها أبو سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ذكره أبو حيان في "البحر".

والمعنى: أي أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه بعد مماته، فإذا كنتم لا تحبون ذلك، بل تكرهونه؛ لأنَّ النفس تعافه .. فاكرهوا أن تغتابوه في حياته.

والخلاصة: أنكم كما تكرهون ذلك طبعًا، فاكرهوا ذلك شرعًا، لما فيه من


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.