للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كمن لم يذنب، ولا يخص ذلك بتائب دون تائب، بل يعم الجميع، وإن كثرت ذنوبهم، فصيغة المبالغة باعتبار المتعلقات. انتهى.

واعلم (١): أنّ الاغتياب كأكل لحم الآدميّ ميتًا، ولا يحل أكله إلا لمضطر بقدر الحاجة، فالمغتاب إن وجد لحاجته مدفعًا غير الغيبة فلا يباح له الاغتياب، ففي هذه الآية نهي عن اغتياب المؤمن دون الكافر، أما الفاسق، فيجوز أن يذكر بما فيه عند الحاجة، فمن نقص مسلمًا أو ثلم عرضه .. فهو كأكل لحمه حيًّا. ومن اغتابه .. فهو كآكل لحمه ميتًا؛ لأنَّ الميت لا يعلم بأكل لحمه، كما أن الحيّ لا يعلم بغيبة من اغتابه.

واعلم: أنّ الله سبحانه ذكر في هذه الآية أمورًا ثلاثًا مرتبة، فكأنّه تعالى قال: لا تقولوا في حقّ المؤمنين ما لم تعلموه فيهم، بناء على الظن، ثم إذا سئلتم عن المظنونات .. فلا تقولوا: نحن نكشف أمورهم لنستيقنها قبل ذكرها، ثم إن علمتم منها شيئًا من غير تجسس .. فلا تقولوه، ولا تفشوه عنهم.

ففي الأول نهى عن التكلم بما لم يعلم، ثم نهى عن طلب علم عيب الناس، ثمّ نهى عن ذكر ما علم مثله، روي: أنّ رجلين من الصحابة بعثا سلمان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يطلب منه لهما طعامًا، فقال له: انطلق إلى أسامة بن زيد، واطلب منه فضل طعام وإدام إن كان عنده، وكان أسامة خازن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رحله وطعامه، فأتاه، فقال: ما عندي شيء، فرجع سلمان إليهما، فأخبرهما، فقالا: كان عند أسامة شيء ولكن بخل، فبعثا سلمان إلى بعض الصحابة، فلم يجد عندهم شيئًا، فلمّا رجع .. قالا: لو بعثنا سلمان إلى بئر سحيمة .. لغار ماؤها، وسحيمة بوزن جهينة بالحاء المهملة: بئر بالمدينة، غزيرة الماء، على ما في "القاموس". ثمّ انطلقا يتجسّسان، هل عند أسامة ما أمر لهما به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الطعام؟ فلمّا راحا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهما: ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما، فقالا: ما تناولنا لحمًا في يومنا هذا، فقال - صلى الله عليه وسلم -


(١) المراح.