وذلك كالتوجه إلى بيت المقدس بمكة، وهو اختيار اليهود، وكإيجاب التصدق بالفضل عن الحاجة في الابتداء؛ لنشاط القوم في الصفاء، والوفاء، وكتقدير الواجب بربع العشر الفاضل إلى الانتهاء، تيسيرا للأداء، وصيانة لأهل النسخ من الآباء.
وقد أنكرت طوائف من المنتمين للإسلام المتأخّرين جواز النسخ، وهم محجوجون بإجماع السلف السابق على وقوعه في الشريعة. وأنكرته أيضا: طوائف من اليهود، وهم محجوجون أيضا بما جاء في توراتهم، بزعمهم أن الله تعالى، قال لنوح عليه السلام عند خروجه من السفينة:(إني جعلت كل دابة مأكلا لك، ولذريتك، وأطلقت ذلك لكم، كنبات العشب ما خلا الدم، فلا تأكلوه)، ثم قد حرم على موسى، وعلى بني إسرائيل كثيرا من الحيوان، وبما كان آدم عليه السلام يزوج، الأخ من الأخت، وقد حرم الله ذلك على موسى عليه السلام، وعلى غيره، وبأنّ إبراهيم الخليل أمر بذبح ابنه، ثم قال له:(لا تذبح)، وبأنّ موسى أمر بني إسرائيل، أن يقتلوا من عبد منهم العجل، ثم أمرهم برفع السيف عنهم، وبأن نبوته غير متعبّد بها قبل بعثه، ثم تعبّد بها بعد ذلك على غير ذلك. وليس هذا من باب البداء الذي هو ظهور المصلحة بعد خفائها؛ بل هو من نقل العباد من عبادة إلى عبادة، وحكم إلى حكم؛ لضرب من المصلحة، وإظهارا لحكمته، وكمال مملكته. ولا خلاف بين العقلاء: أن شرائع الأنبياء قصد بها مصالح الخلق الدينيّة، والدنيويّة؛ وإنما كان يلزم البداء لو لم يكن