للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي "الخطيب": تنبيه: قال الرازي: يحتمل (١) أن يكون المصدران عائدين إلى السماء والأرض؛ أي: خلقنا السماء تبصرة، وخلقنا الأرض ذكرى، ويدلّ على ذلك أنّ السماء وزينتها غير متجددة في كل عام، فهي كالشيء المرئي على ممر الزمان، وأما الأرض فهي كل سنة تأخذ زينتها وزخرفتها فتذكِّر، فالسماء تبصرة، والأرض تذكرة، ويحتمل أن يكون كل واحد من المصدرين موجودًا في كل واحد من الأمرين، فالسماء تبصرة وتذكرة، والأرض كذلك، والفرق بين التذكرة والتبصرة: هو أنّ فيهما آياتٍ مستمرّة منصوبةً في مقابلة البصائر، وآيات متجددة مذكرة عند التناسي، وقال الزجاج: منصوبان بفعل مقدر؛ أي: فعلنا ما فعلنا للتبصير والتذكير، وقال أبو حاتم: انتصبا على المصدرية؛ أي: جعلنا ذلك تبصرةً وذكرى، وفي سياق (٢) هذه الآيات تذكير لمنكري البعث، وإيقاظ لهم عن سنة الغفلة، وبيان لإمكان ذلك، وعدم امتناعه، فإن القادر على مثل هذه الأمور، يقدر عليه، وهكذا قوله: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ...} إلخ.

وفي قوله: {لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}: إشارة (٣) إلى أنّ الوصول إلى مقام التبصرة والذكرى إنما هو بالعبودية، والإنابة التي هي مبنى الشريعة وأساسها، وقال بعضهم: التبصرة، معرفة منن الله عليه، والذكرى عدّها على نفسه في كل حال ليشتغل بالشكر فيما عومل به عن النظر إلى شيء من معاملته.

وقرأ الجمهور (٤): {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى} بالنصب، وهما منصوبان بفعل مضمر من لفظهما؛ أي: بصر وذكر، وقرأ زيد بن عليّ {تبصرة} بالرفع، و {ذكرى} معطوف عليه؛ أي: ذلك الخلق على ذلك الوصف تبصرة.

والمعنى: يتبصر بذلك، ويتذكر كل عبد منيب؛ أي: راجع إلى ربه، مفكر في بدائع صنعه.

والمعنى: فعلنا ذلك لتبصرة العبد المنيب وادّكاره فإنّ رفْعنا السماء وتزيينها بالكواكب؛ فلاستبصاره، وإنّ بسْطنا الأرض وإرساء الجبال وإنبات النبات؛


(١) تفسير الرازي.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
(٤) البحر المحيط.