سنّة الله فيمن تقدَّمهم من المكذبين قبلهم ممن ساروا في البلاد طولًا وعرضًا، وكانوا ذوي قوّة وأيدٍ، ولم يغن ذلك عنهم من الله شيئًا، ووسط بين ذلك ذكر المتقين وما يلاقونه من النعيم؛ ليكون أمرهم بين الخوف والطمع، ومن ثم ذكر حال الكفور المعاند، وحال الشكور العابد، ثم ذكر أنّ هذا عظة وذكرى لكل ذي لب واعٍ سميعٍ لما يلقى إليه، ثم أعاد الدليل مرة أخرى على إمكان البعث، فأبان أنه قد خلق السموات والأرض في ستة أطوار مختلفة، وما أصابه تعب، ولا لغوب كما قال:{أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} ثمّ أمره بالصبر على ما يقولون، وتنزيه الله عن كل نقص آناء الليل وأطراف النهار، فها هو ذا قد اقترب يوم البعث والنشور، وسمع صوت الداعي لذلك بعد النفخ في الصور، وتشققت الأرض سراعًا، وخرج الناس من القبور، وما ذلك بالصعب على ربّ العالمين، خالق السموات والأرض، وإنا لنعلم ما يقول المشركون في البعث والنشور، فدعهم في غيّهم يعمهون، فما أنتَ عليهم بجبار تلزمهم الإيمان بهذا اليوم، وما فيه من هول، إن أنت إلا نذير، ولا يؤمن بك إلا من يخاف عقابي وشديد وعيدي، ولا تنفع العظة إلا ذوي الأحلام الراجحة والقلوب الواعية.
أسباب النزول
قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ...} الآيات، سبب نزول هذه الآيات (١): ما أخرجه الحاكم وصحّحه عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ اليهود أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألته عن خلق السموات والأرض، فقال: "خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب، وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه، فخلق في أول ساعة الآجال حتى يموت من مات، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء