للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحق حتى اختلفوا، فبعث الله نوحًا فمن بعده. قاله ابن عباس وقتادة.

والمعنى: كان الناس الذين بين آدم ونوح أمة متفقة في الدين قائمة على الحق، ثم اختلفوا بسبب الحسد والتنازع في طلب الدنيا، فآمن بعض وكفر بعض، فبعث الله النبيين؛ أي: نوحًا فمَن بعده حالة كونهم {مُبَشِّرِينَ} من آمن بالله بالجنة {وَمُنْذِرِينَ}؛ أي: مخوِّفين من كفر بالله بالنار، وقدم البشارة؛ لأنها أبهج للنفس، وأقبل لما يُلقي النبي، وقيل (١): جملة الأنبياء مئة ألف وأربعة وعشرون ألفًا، والرسل منهم ثلاث مئة وثلاثة عشر، والمذكور في القرآن باسم العلم ثمانية وعشرون. {وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ}؛ أي: مع كل واحد منهم {الْكِتَابَ}؛ أي: كتابه حال كون ذلك الكتاب ملتبسًا {بِالْحَقِّ}؛ أي: ببيان الحق والتوحيد، أو متعلق بأنزل؛ أي: وأنزل معهم الكتاب بالعدل والصدق (٢)، وقيل: جملة الكتب المنزلة من السماء مئة وأربعة كتب: أنزل على آدم عشر صحائف، وعلى شيث ثلاثون، وعلى إدريس خمسون، وعلى موسى عشر صحائف والتوراة، وعلى داود الزبور، وعلى عيسى الإنجيل، وعلى محمَّد صلى الله وسلم عليه وعليهم القرآن {لِيَحْكُمَ} الله، أو ذلك الكتاب والنبي المبعوث، والحاكم في الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى، وإسناد الحكم إلى الكتاب والنبي مجاز عقلي. {بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}؛ أي: في دين الإِسلام الذي اختلفوا فيه بعد الاتفاق عليه أولًا؛ أي: ليحكم الكتاب في الحق الذي اختلف الناس في ذلك الحق، فالكتاب حاكم، والمختلف فيه - وهو الحق - محكوم عليه. {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ}؛ أي: في ذلك الحق والدين {إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ}؛ أي: أعطوا الكتاب مع أن المقصود من إنزال الكتاب أن لا يختلفوا، وأن يرفعوا المنازعة في الدين، فعكسوا الأمر، فجعلوا ما أنزل مزيحًا للاختلاف سببًا لاستحكامه، والمراد (٣) بالكتاب: التوراة والإنجيل، والذين أوتوه اليهود والنصارى، واختلافهم هو تكفير بعضهم بعضًا


(١) البيضاوي والشوكاني.
(٢) الخازن.
(٣) الخازن.