فلديكم الكهان الأذكياء، وإن كان قد تقوله .. فلديكم الخطباء الذين يحبرون الخطب، ويجيدون القول في كل فنون الكلام. فهلم فليأتوا بمثل هذا القرآن إن كانوا صادقين فيما يزعمون؛ فإن أسباب القول متوافرة لديهم كما هي متوافرة لديه، بل فيهم من طالت مزاولته للخطب والأشعار، وممارسته لأساليب النظم والنثر، وحفظ أيام العرب، ووقائعها أكثر من محمد - صلى الله عليه وسلم -.
فائدة: وأعلم أن الإعجاز إما أن يتعلق بالنظم من حيث فصاحته وبلاغته، أو يتعلق بمعناه، ولا يتعلق به من حيث مادته. فإن مادته ألفاظ العرب، وألفاظه ألفاظهم. قال تعالى:{قُرْآنًا عَرَبِيًّا} تنبيهًا على اتحاد العنصر، وأنه منظم من عين ما ينظمون به كلامهم. والقرآن معجز من جميع الوجوه لفظًا ومعنى، ومتميز من خطبة البلغاء ببلوغه حد الكمال في أثنى عشر وجهًا. إيجاز اللفظ، والتشبيه الغريب، والاستعارة البديعية، وتلاؤم الحروف والكلمات، وفواصل الآيات، وتجانس الألفاظ، وتعريف القصص والأحوال، وتضمين الحكم والأسرار، والمبالغة في الأسماء والأفعال، وحسن البيان في المقاصد والأغراض، وتمهيد المصالح والأسباب، والإخبار عما كان وما يكون.