الْحَرَامِ}، يعني: عن مكة، وقرىء شاذًا:{والمسجدُ الحرام} بالرفع ووجهه أنه عطفه على قوله: {وَكُفْرٌ بِهِ}، ويكون على حذف مضاف؛ أي: وكفر بالمسجد الحرام {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ}؛ أي: أهل المسجد الحرام، وهم النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون {مِنْهُ}؛ أي: من المسجد الحرام، يعني: من مكة، كل ذلك {أَكْبَرُ} وأعظم وزرًا وذنبًا {عِنْدَ اللَّهِ} تعالى من قتل من قتلتم من المشركين، فإذا استعظموا قتالكم في الشهر الحرام .. فليعلموا أن ما ارتكبوه في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين أعظم وأشنع.
{وَالْفِتْنَةُ}؛ أي: وفتنتهم المؤمنين عن دينهم تارة بإلقاء الشبهة في قلوبهم، وتارة بالتعذيب، كفعلهم ببلال وصهيب وعمار بن ياسر، حتى يردوهم إلى الكفر بعد إيمانهم. {أَكْبَرُ}؛ أي: أعظم وزرًا وأفظع حالًا عند الله {مِنَ الْقَتْلِ}؛ أي: من قتل من قتلتموه من المشركين في الشهر الحرام.
روي أنه لما نزلت هذه الآية .. كتب عبد الله بن جحش إلى مؤمني مكة: إذا عيركم المشركون بالقتال في الشهر الحرام .. فعيروهم بالكفر وإخراج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة، ومنع المؤمنين عن البيت الحرام {وَلَا يَزَالُونَ}؛ أي: ولا يزال المشركون من أهل مكة وغيرهم {يُقَاتِلُونَكُمْ}؛ أي: يجتهدون في قتالكم أيها المؤمنون {حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ}؛ أي: كي يردوكم عن دينكم الحق، ويعيدوكم إلى دينهم الباطل {إِنِ اسْتَطَاعُوا}؛ أي: إن أطاقوا وقدروا على ذلك .. يردوكم، ولكن لا يستطيعون ذلك، وهذا استبعاد لاستطاعتهم، وإشارة إلى ثبات المؤمنين على دينهم {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}؛ أي: ومن يرجع منكم عن دينه الحق إلى دينهم الباطل {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ}؛ أي: فيمت على ردته، ولم يرجع إلى الإِسلام {فَأُولَئِكَ} المصرون على الارتداد إلى حين الموت {حَبِطَتْ} بكسر الباء وقرىء بفتحها، وهي لغة فيه؛ أي: بطلت. {أَعْمَالُهُمْ} الصالحة وردت حسناتهم التي عملوها في حالة الإِسلام {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} فلا اعتداد بها في الدنيا، ولا ثواب عليها في الآخرة، فحبوط الأعمال في الدنيا هو أنه يقتل عند الظفر به، ويقاتل إلى أن يظفر به، ولا يستحق من المسلمين نصرًا ولا