وقال الحسن البصري رحمه الله، وجماعة (١): {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥)}؛ أي: علمه الله. وهو وصف من الله نفسه بكمال القدرة والقوة. {ذو مرة}؛ أي: ذو إحكام الأمور والقضايا. وبين المكان الذي علمه فيه بلا واسطة، فقال:{فَاسْتَوَى} محمد - صلى الله عليه وسلم -. وهو بالأفق الأعلى؛ أي: فوق السموات. {ثُمَّ دَنَا} محمد إلى ربه فتدلى؛ أي: تزايد في القرب إلى ربه {فَكَانَ} مقدار ما بينه وبين ربه {قَابَ قَوْسَيْنِ}؛ أي: مقدار ما بين قابي قوس. وهو كناية عن شدة القرب. {أَوْ أَدْنَى}؛ أي: بل أدنى، وأقرب من ذلك {فَأَوْحَى} الله سبحانه {إِلَى عَبْدِهِ} محمد - صلى الله عليه وسلم - {ما أوحى} من أحكام الدين، ومن خصائص الكرم والجود.
ويدل على أن ضمير {دَنَا} يعود ويرجع إليه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في رواية "لما أسري بي إلى السماء قربني ربي حتى كان بيني وبينه كقاب قوسين أو أدنى، قيل لي: قد جعلت أمتك آخر الأمم لأفضح الأمم عندهم؛ أي: بوقوفهم على أخبارهم، ولا أفضحهم عند الأمم لتأخرهم عنهم". {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ}؛ أي: فؤاد محمد - صلى الله عليه وسلم - {مَا رَأَى}. من ذات ربه، ومن عجائب الأمور الغيبية، ومن الألطاف عليه وعلى أمته. وقال أبو علي الفارسي في هذه الآية قولا يطول شرحه، وقصاراه: يرجع إلى أنه تعالى ستر بعض ما أوحى إلى نبيّه عن الخلق لما علم أن علمهم بذلك يفترهم عن السير في طريق العبودية اتكالًا على محض الربوبية. ولهذا قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه، حيث قال معاذ: أأخبر الناس بذلك يا رسول الله، فقال:"لا تخبرهم بذلك لئلا يتكلوا"، انتهى.