للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عنها. فالموصول في محل نصب على أنه نعت للموصول الأوّل أعني قوله: {الَّذِينَ أَحْسَنُوا}. وقيل: بدل منه. وقيل: بيان له. وقيل: منصوب على المدح بإضمار أعني، أو في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هم الذين يجتنبون كبائر الإثم. وقرأ الجمهور (١) {كَبَائِرَ} على الجمع. وقرأ حمزة، والكسائي، والأعمش، ويحيى بن وثّاب {كبير الإثم} على الإفراد. وصية الاستقبال (٢) في صلة هذا الموصول، دون صلة الموصوف، أو المبدل منه للدلالة على تجدد الاجتناب واستمراره. يعني: للإشعار بأن ترك المعصية سواء كانت بارتكاب المحرمات أو بترك الواجبات ينبغي أن يستمر عليه المؤمن، ويجعل الاجتناب عنها دأبًا له وعادة، حتى يستحق المثوبة الحسنى. فإن من اجتنب عنها مرة، وانهمك عليها في باقي الأزمان لا يستحقها بخلاف الحسنات المتطوع بها. فإن من أتى بها ولو مرة يؤجر عليها.

قال سعدي المفتي: لا حسن في جعل الذين يجتنبون مقصودًا بالنسبة، وجعل الذين أحسنوا في حكم المسكوت عنه على القول: بأنه بدل منه، ولو كان النظم على العكس .. لكان لها وجه، انتهى.

يقول الفقير: الاجتناب من باب التخلية بالمعجمة. وهي أقدم من التحلية بالحاء المهملة، فلذا جعلت مقصودًا بالنسبة.

وكبائر الإثم: ما بكبر عقابه من الذنوب. وهو ما ترتب عليه الوعيد بخصوصه كالشرك والزنا مطلقًا خصوصًا بحليلة جاره، وقتل النفس مطلقًا لا سيما الأولاد. وهي الموؤدة. وقيل: ما ذم فاعله ذمًّا شديدًا. وقيل: الكبيرة: كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب أو حدّ في الدنيا أو أقدم صاحبه عليه من غير استشعار خوف أو ندم أو ترتب عليه مفاسد كبيرة. ولو كان في نظر الناس صغيرًا. من أمسك إنسانًا ليقتله ظالم، أو دل العدو على عورات البلاد، فقد فعل أمرًا عظيمًا. فيكون أكل مال اليتيم إذا قيس على هذين قليلًا مع أنه من الكبائر. ولأهل العلم في تحقيق الكبائر كلام طويل. وكما اختلفوا في تحقيق معناها وماهيتها اختلفوا في عددها.


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.