بِالْقِسْطِ} إشارة إلى مراعاة العدل في جميع ما يتحراه الإنسان من الأفعال والأقوال، وقيل: المعنى: أقيموا لسان الميزان بالعدل. وقيل: المعنى: إنه وضع الميزان في الآخرة لوزن الأعمال.
{وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}؛ أي: لا تنقصوه؛ لأنَّ من حقه أن يسوى؛ لأنه المقصود من وضعه. قال سعدي المفتي: المراد: لا تنقصوا الموزون في الميزان لا الميزان نفسه، أمر أوّلًا بالتسوية، ثم نهى عن الطغيان الذي هو اعتداء وزيادة، ثم عن الخسران الذي هو تطفيف ونقصان، وكرر لفظ الميزان تشديدًا للتوصية به، وتأكيدًا للأمر باستعماله، والحث عليه.
وقرأ الجمهور (١): {تُخْسِرُوا} بضم التاء وكسر السين، من أخسر إذا أفسد ونقص، كقوله تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣)}؛ أي: ينقصون. وقرأ بلال بن أبي برزة، وأبان بن عثمان، وزيد بن عليّ {تَخْسَرُوا} بفتح التاء والسين من خسر من باب سمع. وهما لغتان، يقال: أخسرت الميزان, وخسرته، وقرىء أيضًا {تُخْسُرُوْا} بفتح التاء وضم السين لما منع من الزيادة. وهو الطغيان.
وفي "فتح الرحمن": قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧)} قرنه برفع السماء؛ لأنّه تعالى عدد نعمه على عباده، ومن أجلها الميزان الذي هو العدل الذي به نظام العالم وقوامه، وقيل: هو القرآن، وقيل: هو العقل، وقيل: ما يعرف به المقادير كالميزان المعروف، والمكيال والذراع.
إن قلت: ما فائدة تكرار لفظ {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧)} ثلاث مرات مع أن القياس بعد الأولى الإضمار؟
قلت: فائدته بيان أنَّ كلًّا من الآيات مستقلة بنفسها، أو أن كلًّا من الألفاظ الثلاثة مغاير لكل من الآخرين، إذ الأول ميزان الدنيا، والثاني ميزان الآخرة، والثالث ميزان العقل؛ أي: العدل.
فإن قلت: قوله: {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨)}؛ أي: لا تجاوزوا فيه العدل، مغن عن الجملتين المذكورتين بعده؟