اليمن بهذا، والصحيح فيه الإرسال. وروى الدارقطني بسنده عن سالم عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمس القرآن إلا طاهر". والمراد بالقرآن: المصحف. وقال الحكم، وحماد، وأبو حنيفة: يجوز للمحدث، والجنب حمل المصحف، ومسه بغلافه، فإن قلت: إذا كان الأصح: أن المراد من الكتاب هو اللوح المحفوظ، وأن المراد من لا يمسه إلا المطهرون هم الملائكة. ولو كان المراد نفي الحدث .. لقال: لا يمسه إلا المتطهرون، من التطهر، كيف يصح قول الشافعي: لا يجوز للمحدث مس المصحف؟.
قلت: من قال: إن الشافعي أخذه من صريح الآية حمله على التفسير الثاني. وهو القول: بأن المراد من الكتاب هو المصحف. ومن قال: إنه أخذه من طريق الاستنباط قال: المس بطهر صفة دالة على التعظيم، والمس بغير طهر نوع استهانة، وهذا لا يليق بمباشرة المصحف الكريم، والصحيح: أنه أخذه من السنة. ودليله ما تقدم من الأحاديث. والله أعلم.
ومعنى الآيات: فأقسم بمساقط النجوم، ومغاربها، وإنَّ هذا القسم قسم عظيم لو تعلمون عظمته .. لانتفعتم بذلك، أو فاعلموا عظمته؛ أي: أقسم بمواقعها إنه لقرآن كريم؛ أي: عزيز مكرم مستقر في كتاب مكنون؛ أي: مصون مستور عند الله تعالى؛ أي: في لوح محفوظ من أن يناله الشيطان بسوء، أو في مصحف مصون محفوظ من التبديل والتحريف. والقول الأول أصح. لا يمس ذلك الكتاب المكنون أعني: اللوح المحفوظ إلا الملائكة المطهرون. وهذا مروي عن ابن عباس، وأنس. وهو قول سعيد بن جبير، وأبي العالية، وقتادة، وابن زيد. أو لا يمس ذلك المصحف إلا المطهرون من الشرك. يعني: لا يمكن أهل الشرك من قراءته. قال الفراء: لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به، أو لا يمسه إلا المطهرن من الأحداث والجنابات. وقال الحسين بن الفضل: المراد: أنه لا يعرف تفسيره وتأويله إلا من طهره الله من الشرك والنفاق. وفي حرف ابن مسعود (١): {ما يمسه إلا المطهرون}.
وقرأ الجمهور {الْمُطَهَّرُونَ} بتخفيف الطاء، وتشديد الهاء مفتوحة اسم مفعول من طهر مشددًا، وقرأ عيسى كذلك مخففًا اسم مفعول من أطهر. ورويت عن نافع