ورائكم إلى الموضع الذي أخذنا منه النور. فالتمسوا واطلبوا هنالك نورًا لأنفسكم. فإنه من هنالك يقتبس. وقيل: المعنى: ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا النور بما التمسناه من الإيمان والأعمال الصالحة. وقيل: أرادوا بالنور: ما ورائهم من الظلمة تهكمًا بهم.
وعن أبي أمامة الباهليّ رضي الله عنه: أنه قال: بينا العباد يوم القيامة عند الصراط إذ غشيهم ظلمة، يقسم الله النور بين عباده، فيعي الله المؤمن نورًا، ويبقي المنافق والكافر لا يعطيان نورًا. فكما لا يستضيء الأعمى بنور البصير لا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن. فيقولون: انظرونا نقتبس من نوركم. فيقولون لهم: ارجعوا حيث قسم النور، فيرجعون فلا يجدون شيئًا، فيرجعون وقد ضرب بينهم بسور، أو ارجعوا خائبين خاسئين، وتنحوا عنا فالتمسوا نورًا آخر، وقد علموا أن لا نور ورائهم، وإنما قالوه تخييبًا لهم أو أرادوا بالنور ما ورائهم من الظلمة الكثيفة تهكمًا بهم.
وحاصل معنى الآية: في ذلك اليوم يقول (١) المنافقون والمنافقات: أيها الذين نجوتم بإيمانكم بربكم، وفزتم برضوانه حتى دخلتم فسيح جناته، انتظرونا نلحق بكم، ونقتبس من نوركم حتى نخرج من ذلك الظلام الدامس، والعذاب الأليم الذي نحن مقبلون عليه، فيجابون بما يخيب آمالهم، ويلحق بهم الحسرة والندامة، كما قال:{قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا}؛ أي: ارجعوا من حيث أتيتم واطلبوا لأنفسكم هناك نورًا. فإنه لا سبيل إلى الاقتباس من نورنا الذي كان بما قدمنا لأنفسنا، وادخرنا لها من عمل صالح. فهيهات هيهات أن تنالوا نورًا، إذ لا ينفع المرء حينئذٍ إلا عمله. ولله درّ القائل:
ولا يخفي ما في هذا من التهكم بهم والاستهزاء بطلبهم كما استهزؤوا بالمؤمنين في الدنيا حين قالوا: آمنا، وما هم بمؤمنين. وذلك ما عناه سبحانه بقوله:{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}؛ أي: حين يقال لهم: {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا}.