للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

به، وليعلم الله علمًا يتعلق بالجزاء من ينصره ورسله باستعمال السيوف والرماح، والمدافع، والبنادق، وسائر الأسلحة في مجاهدة أعدائه. وقال الشوكاني: والأول أولى؛ لأن عدم التقدير أولى من التقدير.

وقوله: {بِالْغَيْبِ} حال من فاعل {يَنْصُرُهُ}؛ أي: ليعلم الله سبحانه من ينصر دينه، وينصر رسله حال كونهم غائبين عن الله تعالى مشاهدين له، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: ينصرونه ولا يبصرونه. وإنما يحمد ويثاب من أطاع بالغيب من غير معاينة للمطاع، أو حال من مفعوله؛ أي: حال كونه تعالى غائبًا عنهم غير مرئي لهم (١)، أو حال من {رسله}؛ أي: وإنما فعل ذلك ليراكم ناصري دينه باستعمال السلاح، والكراع لمجاهدة أعدائه وناصري رسله، وهم غائبون عنكم لا يبصرونكم.

روى أحمد، وأبو داود عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم".

{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {قَوِيٌّ} على إهلاك من أراد إهلاكه {عَزِيزٌ} لا يفتقر إلى نصرة الغير، وإنما أمرهم بالجهاد، لينتفعوا به ويستوجبوا ثواب الامتثال فيه؛ أي: إن الله قوي قادر يدفع بقوته بأس من يعرض عن ملته غالب على أمره لا يقدر أحد على دفع العقوبة حتى أحلها بأحد من خلقه، وليس له حاجة إلى أن ينصره أحد من عباده وينصر رسله، بل كلفهم بذلك، لينتفعوا به إذا امتثلوا، ويحصل لهم ما وعد به عباده المطيعين. قال الزروقي رحمه الله تعالى (٢): القوي هو الذي لا يلحقه ضعف في ذاته وصفاته، ولا في أفعاله، فلا يمسه نصب ولا تعب، ولا يدركه قصور، ولا عجز في نقض ولا إبرام. وخاصية هذا الاسم ظهور القوة في الوجود، فما تلاه ذو همة ضعيفة إلا وجد القوة، ولا ذو جسم ضعيف إلا كان له ذلك، ولو ذكره مظلوم بقصد إهلاك الظالم ألف مرة كان له ذلك، وكفى أمره. وخاصية الاسم العزيز: وجود الغنى، والعز صورة أو معنى، فمن ذكره أربعين يومًا في كل يوم أربعين مرة أعانه الله وأعزه، فلم يحوجه إلى أحد من


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.