للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على آثار نوح، إبراهيم {بِرُسُلِنَا} الذين أرسلناهم إلى الأمم كموسى، وإلياس، وداود، وسليمان، وغيرهم. فالضمير (١) لنوح وإبراهيم، ومن أرسلا إليهم من الأمم؛ أي: أرسلنا بعد نوح هودًا وصالحًا، وبعد إبراهيم إسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف مثلًا. وفي "الروح": الضمير لا يرجع إلى الذرية؛ فإن الرسل المقفى بهم من الذرية. يقال: قفا (٢) أثره أتبعه، وقفى على أثره بفلان؛ أي: أتبعه إياه وجاء به بعده. والآثار جمع إثر بالكسر، كما سيأتي. تقول: خرجت على إثره؛ أي: عقبه. فالمعنى: أتبعنا من بعدهم واحدًا بعد واحد من الرسل.

والخلاصة (٣): أي ثم بعثنا بعدهم رسولًا بعد رسول على توالي العصور والأيام.

ثم خص من أولئك الرسل عيسى لشهرة شريعته في عصر التنزيل ولوجود أتباعه في جزيرة العرب وغيرها، فقال: {وَقَفَّيْنَا}؛ أي: أتبعنا أولئك الرسل الذين قفيناهم بعد نوح إبراهيم {بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}؛ أي: أرسلنا رسولًا بعد رسول حتى انتهى إلى عيسى ابن مريم، فأتينا به بعدهم؛ أي: جعلناه تابعًا لهم؛ أي: متأخرًا عنهم في الزمان. فأول أنبياء بني إسرائيل موسى، وآخرهم عيسى عليهما السلام، وهو من ذرية إبراهيم من جهة أمه. ونسبه إلى أمه على حقيقة الإخبار. {وَآتَيْنَاهُ}؛ أي: أعطينا عيسى {الْإِنْجِيلَ} دفعة واحدة، وهو الكتاب الذي أنزله الله عليه، وقد تقدَّم ذكر اشتقاقه في سورة آل عمران، وقرأ الجمهور (٤) {الْإِنْجِيلَ} بكسر الهمزة. وقرأ الحسن بفتحها. قال أبو الفتح: وهو مثال لا نظير له، انتهى، وهي لفظة أعجمية فلا يلزم فيها أن تكون على أبنية كلم العرب. وقال الزمخشري: أمره أهون من أمر برطيل، يعني: أنه بفتح الباء، وكأنّه عربيّ، وأما الإنجيل فأعجمي.

والمعنى: أي ثم أرسلنا رسولًا بعد رسول حتى انتهى الأمر إلى عيسى عليه السلام، وأعطيناه الإنجيل الذي أوحيناه إليه، وفيه شريعته ووصاياه، وقد جاء ما فيه مكملًا لما في القوراة، ومخفِّفًا بعض أحكامها التي شرعت تغليظًا على بني إسرائيل


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
(٤) البحر المحيط.