للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أنه يؤتكم مثل ما وعد من آمن من أهل الكتاب من الكفلين في قوله: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} إذ أنتم مثلهم في الإيمانين لا تفرقون بين أحد من رسله. وروي: أن مؤمني أهل الكتاب افتخروا على غيرهم من المؤمنين بأنهم يؤتون أجرهم مرتين، وادعوا الفضل عليهم فنزلت هذه الآية.

وقيل: النداء للمنافقين.

والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم اتقوا الله، وآمنوا بقلوبكم إيمانًا صحيحًا. ويؤيد المعنى الأول ما رواه الشعبي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، وآمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، والعبد المملوك إذا أدى حق مواليه، وحق الله عن وجل، ورجل كانت عنده أمة يطؤها فأدبها، فأحسن تأديبها، وعلمها، وأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران" متفق عليه.

{وَيَجْعَلْ لَكُمْ} يوم القيامة {نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} على الصراط وبين الناس حسبما نطق به قوله تعالى: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} فهو (١) الضياء الذي يمشون به على الصراط إلى أن يصلوا إلى الجنة.

وذلك لأن جهنم خلقت من الظلمة، إذ هي صورة النفس الأمّارة بالسوء، وهي ظلمانية، فنور الإيمان والتقوى يدفعها ويزيلها. وقيل المعنى: ويجعل لكم سبيلًا واضحًا في الدين تهتدوا به {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ما أسلفتم من الذنوب والمعاصي. فأما حسنات الكفار فمقبولة بعد إسلامهم على ما ورد في الحديث الصحيح، كما رواه مسلم. {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {غَفُورٌ رَحِيمٌ}؛ أي مبالغ في المغفرة والرحمة.

والمعنى (٢): أي يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله من أهل الكتابين: التوراة والإنجيل، خافوا الله بأداء طاعته واجتناب معاصيه، وآمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - يعطكم ضعفين من الأجر لإيمانكم بعيسى، والأنبياء قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم بإيمانكم بمحمد بعد أن بعث نبيًا، ويجعل لكم نورًا تستبصرون به من العمى والجهالة، ويغفر لكم ما أسلفتم من الذنوب، وما فرطتم في جنب الله، والله واسع المغفرة لمن يشاء، رحيم


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.