{أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} من المعلوم أن المغفرة قبل دخول الجنة، ولذلك قدمت في غير هذه الآية:{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ}، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} وإنما قدمت الجنة هنا تقديمًا للمقابل؛ لتكمل وتظهر المقابلة؛ لأن النار يقابلها الجنة، ولا يخفى ما في الآية من الطباق بين كلمة النار وكلمة الجنة.
{وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ} كناية عن الجماع {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} هذا تصريح بمفهوم الغاية، والتصريح له، وإن علم مما قبله لمزيد العناية بأمر التطهر.
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} جملة معترضة بين المبين وهو قوله: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} وبين البيان وهو قوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} ونكتة هذا الاعتراض: الترغيب فيما أمروا به، والتنفير عما نهوا عنه، وقدم الذي أذنب على الذي لم يذنب؛ لكيلا يقنط التائب من الرحمة، ولئلا يعجب المتطهر بنفسه كما في آية {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ}.
{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}؛ أي: كالأرض التي تُحرث ليوضع فيها البذر، فشبه النساء بالأرض التي تحرث، وشبه النطفة بالبذر الذي يوضع في تلك الأرض، وشبه الولد بالزرع الذي ينبت من الأرض، فهو من باب التشبيه البليغ، وأنشد ثعلب:
{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} كناية عن الوطء، وجاء {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} نكرة؛ لأنه الأصل في الخبر، وجاء {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} معرفة؛ لأن في الإضافة حوالة على شيء سبق واختصاصًا بما أضيف إليه، ونظير ذلك أن تقول: زيد مملوك لك فأحسن إلى مملوكك؛ لأن القاعدة عند البلغاء إذا تقدمت نكرة، وأعيدت بلفظها .. فلا بد أن يكون معرفة، إما بالألف واللام كقوله تعالى:{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ}، وإما