يجاب عنه: بأن المراد منه إنزال من يتلقّف من الله ويرسل إلى عباده تعالى. فيسند إليها مجازًا لكونها المقصودة منه. أو المراد منه: الإيصال، والإعلام، على سبيل الاستعارة.
{وَلِلْكَافِرِينَ} بتلك الآيات أو بكل ما يجب الإيمان به {عَذَابٌ مُهِينٌ} يذهب بعزهم وكبرهم، من الإهانة بمعنى التحقير. والمراد: عذاب الكبت الذي هو في الدنيا، فيكون ابتداء كلام، أو عذاب الآخرة، فيكون للعطف، بمعنى: أن لهم الكبت في الدنيا ولهم عذاب مهين في الآخرة، فهم معذبون في الدارين. وقال بعضهم: وصف الله تعالى العذاب الملحق بالكافرين أولًا بالإِسلام وثانيًا بالإهانة لأن الإيلام يلحق بهم أولًا ثم يهانون به، وإذا كانت الإهانة ما في الآخرة .. فالتقديم ظاهر، وقد سبق غير هذا.
ومعنى الآية (١): أي أن الذين يختارون لأنفسهم حدودًا غير ما حده الله ورسوله ويضعون شرائع غير ما شرعه الله سيلحقهم الخزي والنكال في الدنيا كما لحق من قبلهم من كفار الأمم الماضية الذين حادوا الله ورسله، وقد تحقق ذلك. وفي هذا بشارة عظيمة للمؤمنين بظهورهم على عدوهم ونصر الله لهم، كما أن فيه وعيدًا عظيمًا للملوك وأمراء السوء الذين وضعوا قوانين وشرائع وضعية غير ما شرع الله، وألزموا رعاياهم العمل بها والجري على نهجها، وعينوا لذلك قضاةً يحكمون بها، ونبذوا ما جاء في شرعهم، والله يقول:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}. نعم: إنه لا بأس بالقوانين السياسية إذا وقعت باتفاق ذوي الآراء من أهل الحل والعقد على وجه يكون به انتظام شمل الجماعات، إذا كانت لا تخالف في أحكامها روح التشريع الديني؛ كتعيين مراتب التأديب للزجر عن المعاصي والجنايات التي لم ينص الشارع فيها على حدّ معين، بل فوض الأمر فيها للإمام، وليس في ذلك محادة لله ورسوله، بل فيها استيفاء لحق الله على الوجه الأكمل. وبالجملة: فلا بأس في النظام الذي لا يخالف روح الشرع، من ترتيب أحوال الداخلية والخارجية، مما لا بد منه في الحياة