المكروه. وجمع {صَدَقَاتٍ} هنا نظرًا إلى كثرة المخاطبين. قال بعض المفسرين: أفرد الصدقة أولًا لكفاية شيء منها، وجمع ثانيًا نظرًا إلى كثرة التناجي والمناجي.
والمعنى (١): أخفتم الفقر - يا أهل الغنى - من تقديم الصدقات، فيكون المفعول محذوفًا للاختصار. و {أَنْ تُقَدِّمُوا} في تقدير: لأن تقدموا. أو: أخفتم التقديم لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر. قال الشاعر:
{فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا} ما أمرتم به، وشقّ عليكم ذلك {وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} بأن رخص لكم في أن لا تفعلوه، وأسقط عنكم تقديم الصدقة. وذلك لأنه لا وجه لحملها على قبول التوبة حقيقة؛ إذ لم يقع منهم التقصير في حق هذا الحكم، بأن وقعت المناجاة بلا تصدق، وهذا هو الناسخ للآية السابقة. وفيه إشعار بأن إشفاقهم ذنب تجاوز الله عنه لما رأى منهم من الانفعال ما قام مقام توبتهم. و {إذ} على معناها من الظرفية والمضي بمعنى: أنكم تركتم ذلك فيما مضى وتجاوز الله عنكم بفضله، فتداركوه بما تؤمرون به بعد هذا. وقيل: بمعنى (إذا) للمستقبل، كما في قوله:{إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ}. أو بمعنى إن الشرطية، وهو قريب مما قبله إلا أنّ {إن} تستعمل فيما يحتمل وقوعه واللاوقوعه. وقوله:{وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} معطوف على {لَمْ تَفْعَلُوا}. وقوله:{فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} جواب {إذ} مسبب عن قوله: {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا}؛ أي: فإذا فرطتم فيما أمرتم به من تقديم الصدقات، وتجاوز الله عنكم .. فتداركوه بالمواظبة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة المفروضة. {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، في سائر الأوامر، فإن القيام بها كالجابر لما وقع في ذلك من التفريط. والتعميم بعد التخصيص لتتميم النفع. وفي "الفتوحات": قوله: {وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} جملة حالية، أو استئنافية معترضة بين الشرط وجوابه. وهذه الجملة هي التي فيها نسخ الوجوب كما تقدم، تأمل. انتهى.
والمعنى: أي فحين لم تفعلوا ما أمرتم به، وشق ذلك عليكم، وخفف عنكم ربكم فرخص لكم في المناجاة من غير تقديم صدقة، فأدوا الصلاة، وقوموها بأدائها