ومنهم حتى ظنوا أنها لم تبق أحدًا منهم إلا ذكر فيها، قال: قلت: سورة الأنفال؟ قال: نزلت في بدر، قلت: سورة الحشر؟ قال: نزلت في بني النضير". الحديث أخرجه مسلم أيضًا.
وما أخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأقرّه الذهبي، والبيهقي في "دلائل النبوة" عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت غزوة بني النضير - وهم: طائفة من اليهود - على رأس ستة أشهر من غزوة بدر، وكان منزلهم ونخلهم بناحية المدينة، فحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أنا لهم ما أقَلَّتِ الإبلُ من الأمتعة والأموال إلا الحلقة؛ يعني: السلاح، فأنزل الله فيهم:{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا}. فقاتلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى صالحهم على الجلاء، فأجلاهم إلى الشام، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا، كان الله قد كتب عليهم ذلك. ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي. وأما قوله:{لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} فكان ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام.
تنبيه: الحديث - أي: حديث الحاكم - ليس على شرط الشيخين؛ لأنهما لم يُخرجا لزيد بن المبارك ومحمد بن ثور، وهما ثقتان. فالحديث صحيح، لكن في قوله:(على شرطهما) نظر.
قوله تعالى:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ ...} الآية، سبب نزولها (١): ما أخرجه البخاري عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: حرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخل بني النضير، وقطع وهي البويرة، فنزلت:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} الحديث، أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود، وأحمد، وابن جرير، والبيهقي في "دلائل النبوة" عن ابن عباس في قول الله عز وجل: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} قال: اللينة: النخلة، {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} قال: استنزلوهم من حصونهم، قال: وأمروا بقطع النخل، فحك في صدورهم، فقالوا: قد قطعنا بعضًا وتركنا بعضًا، ولنسألن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل لنا فيما قطعنا من أجر؟ وهل علينا فيما تركنا من وزر؟ فأنزل الله سبحانه: {مَا قَطَعْتُمْ