قال حذيفة العدوي: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمّ لي ومعي شيء من الماء وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، فإذا أنا به، فقلت: أسقيك، فأشار برأسه أن نعم، فإذا برجل يقول: آه آه، فأشار إلى ابن عمي أن انطلق إليه، فإذا هو هشام بن العاص، فقلت: أسقيك، فأشار أن نعم، فسمع آخر يقول: آه آه، فأشار هشام أن انطلق إليه، فجئت إليه، فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام، فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي، فإذا هو قد مات". وهذا من قبيل الإيثار بالنفس، وهو فوق الإيثار بالمال.
وقال في "التكملة": والصحيح: أن الآية نزلت في أبي طلبة الأنصاري - رضي الله عنه - حين نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضيف، ولم يكن عنده ما يضيفه به، فقال: ألا رجلًا يضيف هذا رحمه الله، فقام أبو طلحة فانطلق به إلى رحله وقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنوّمت الصبية وأطفات السراج، وجعل الضيف يأكل، وهما يُرِيان أنهما يأكلان معه ولا يفعلان، فنزلت الآية. وكانت قناعة السلف أوفر ونفوسهم أقنع وبركتهم أكثر، ونحن نؤثر أنفسنا على الغير، فإذا وضعت مائدة بين أيدينا .. يريد كل منا أن يأكل قبل الآخر، ويأخذ أكثر مما يأخذ الرفيق، ولذلك لم توجد بركة الطعام، وينفد سريعًا.
والمعنى: أي والذين سكنوا المدينة وأشربت قلوبهم حب الإيمان من قبل هجرة أولئك المهاجرين، لهم صفات كريمة وشيم جليلة تدل على كرم النفوس ونبل الطباع. فهم:
١ - يحبون المهاجرين ويتمنون لهم من الخير ما يتمنون لأنفسهم.
٢ - لا يطمحون إلى شيء مما أعطيه أولئك المهاجرون من الفيء وغيره.
٣ - يقدمون ذوي الحاجة على أنفسهم، ويبدؤون بسواهم قبلهم، حتى إن من كان عنده امرأتان ينزل عن إحداهما، ويزوجها واحدًا من المهاجرين.
ثم بيّن سوء عاقبة الشح، فقال:{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} والوقاية: حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره. والشُّح - بالضم والكسر -: بخل مع حرص، فيكون جامعًا بين ذميمتين من صفات النفس. وإضافته إلى النفس لأنه غريزة فيها مقتضية للحرص على المنع الذي هو البخل. وقيل: الشح أشد من البخل. قال مقاتل: شح نفسه،