أي: والذين جاؤوا من بعدهم يدعون لهم قائلين: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا} ما فرط منا {وَلِإِخْوَانِنَا}؛ أي: في الدِّين، الذي هو أعزّ وأشرف عندهم من النسب. {الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} وصفوهم بذلك اعترافًا بفضلهم. قدموا أنفسهم في طلب المغفرة لما في المشهور من أن العبد لا بد أن يكون مغفورًا له حتى يستجاب دعاؤه لغيره. وفيه حكم بعدم قَبول دعاء العاصين قبل أن يُغْفَرَ لهم، وليس كذلك كما دلت عليه الأخبار. فلعل الوجه: أن تقديم النفس كونها أقرب النفوس إليه مع أن في الاستغفار إقرارًا بالذنب، فالأحسن للعبد أن يرى أولًا ذنب نفسه، كذا في بعض التفاسير.
يقول الفقير: نفس المرء أقرب إليه من نفس غيره، فكل جلب أو دفع فهو إنما يطلبه أولًا لنفسه لإعطاء حق الأقدم، وأما غيره .. فهو بعده ومتأخر عنه. وأيضًا: إن ذنب نفسه مقطوع بالنسبة إليه، وأما ذنب غيره .. فمحتمل، فلعل الله قد غفر له وهو لا يدري. وأيضًا: تقديمهم في مثل هذا المقام لا يخلو عن سوء أدب وسوء ظن في حق السلف.
ويقال: إنما بدؤوا بأنفسهم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول". ويدعون لأنفسهم قائلين:{وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا}؛ أي: حقدًا وبغضًا وحسدًا. وقرىء:{غمرًا}. {لِلَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسوله على الإطلاق، صحابة أو غيرهم. وفيه إشارة إلى أن الحقد على غيرهم جائز لغيرة الدِّين، وإن لم يكن الحسد جائزًا. أمرهم الله سبحانه (١). بعد الاستغفار للمهاجرين والأنصار أن يطلبوا من الله سبحانه أن ينزع من قلوبهم الغل للذين آمنوا على الإطلاق، فيدخل في ذلك الصحابة دخولًا أوليًّا؛ لكونهم أشرف المؤمنين، ولكون السياق فيهم، فمن لم يستغفر للصحابة على العموم، ويطلب رضوان الله لهم .. فقد خالف ما أمره الله به في هذه الآية، فإن وجد في قلبه غلًّا لهم .. فقد أصابه نزغ من الشيطان، وحل به نصيب وافر من عصيان الله بعداوة أوليائه، وخير أمة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وانفتح له باب من الخذلان يفد به على نار جهنم إن لم يتدارك نفسه باللجأ إلى الله سبحانه، والاستغاثة به، والتوبة منه، والعياذ من ذلك كله بالله تعالى.