الناس يضل بعضهم بعضًا ويغوونهم ثم يتركونهم في حيرة من أمرهم، لا يجدون لهم مخلصًا مما وقعوا فيه.
قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ...} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر المضلين من المنافقين، وبين أن ما يقولون غير ما يبطنون، وأن مثلهم كمثل الشيطان في الإغواء والإضلال، ثم أعقبه بذكر الضالين من بني النضير، وكيف خدعوا بتلك الوعود الخلابة التي كانت عليهم وبالًا ونكالًا، وكان فيها سوء حالهم في دنياهم ودِينهم .. شرع ينصح المؤمنين بلزوم التقوى، وأن يعملوا في دنياهم ما ينفعهم في أخراهم حتى ينالوا الثواب العظيم والنعيم المقيم، وأن لا ينسوا حقوق الله فيجعل الله الران على قلوبهم، فلا يقدموا لأنفسم ما به رشادهم وفلاحهم.
وقوله تعالى:{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ ...} إلى آخر السورة، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر فرق المضلين من المنافقين والضالين من اليهود وغيرهم، وأمر عباده المؤمنين بالتقوى استعدادًا ليوم القيامة .. ذكر هنا أن لهم مرشدًا عظيمًا، وإمامًا هاديًا؛ هو القرآن الذي يجب أن تخشع لهيبته القلوب، وتتصدع لدى سماع عظاته الأفئدة؛ لما فيه من وعد ووعيد، وبشارة وإنذار، وحكم وأحكام، فلو أنا ألهمنا الجبل عقلًا وفهمه وتدبر ما فيه .. لخشع وتصدع من خوف الله عز وجل، فكيف بكم أيها البشر لا تلين قلوبكم، ولا تخشع، ولا تتصدع من خشيته؟ وقد فهمتم عن الله أمره وتدبرتم كتابه؟. وبعد أن وصف القرآن بالعظم أتبعه بوصف عظمة المنزل للقرآن ذي الأسماء الحسنى الذي يخضع له ما في السماوات والأرض، وينقادون لحكمه وأمره ونهيه.
أسباب النزول
قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ ...} الآيات، سبب نزولها: ما أخرجه ابن إسحاق، وابن المنذر، وأبو نعيم عن ابن عباس، أنه قال: نزلت هذه الآيات في رهط من بني عوف، منهم: عبد الله بن أبي ابن سلول. ووديعة بن مالك وسويد وداعس، بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا فإننا لا نسلمكم، وإن قوتلتم .. قاتلنا معكم، وإن أخرجتم .. خرجنا معكم، فتربصوا ذلك