للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال في "الكشاف": قوله: {فِي صُدُورِهِمْ} قال على نفاقهم؛ يعني: أنهم يظهرون لكم في العلانية خوف الله، وأنتم أهيب في صدورهم من الله.

فإن قلت: كأنهم كانوا يرهبون من الله حتى تكون رهبتهم منهم أشد.

قلت: معناه: أن رهبتهم في السرّ منكم أشد من رهبتهم من الله التي يظهرونها لكم، وكانوا يظهرون رهبة شديدة من الله.

يقول الفقير: إنما رهبوا من المؤمنين لظهور نور الله فيهم، فكما أن الظلمة تنفر من النور ولا تقاومه، فكذا أهل الظلمة ينفر من أهل النور ولا يقوم معه. ومرادنا بالظلمة: ظلمة الشرك، والكفر، والرياء والنفاق. وبالنور: نور التوحيد، والإيمان، والإخلاص، والتقوى. ولذلك قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}، حيث إن الله تعالى أثبت معيته لأهل التقوى، فنصرهم على مخالفيهم.

ثم ذكر سبب الرهبة منهم من دون الله، فقال: {ذَلِكَ}؛ أي: ما ذكر من كون رهبتهم منكم أشد من رهبة الله {بِأَنَّهُمْ}؛ أي: بسبب أنهم {قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} شيئًا من الأشياء حتى يعلموا عظمة الله تعالى، فيخشوه حق خشيته، ولو كان لهم فقه .. لعلموا أن الله سبحانه هو الذي سلطكم عليهم، فهو أحق بالرهبة منه دونكم.

وفي "فتح الرحمن": ختمه هنا بـ {لَا يَفْقَهُونَ} وفيما بعد بـ {لَا يَعْقِلُونَ}؛ لأن الأول متصل بقوله: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ}؛ أي: لأنهم يفقهون ظاهر الشيء بدون باطنه، والفقه: معرفة الظاهر والباطن، فناسب نفي الفقه عنهم. والثاني متصل بقوله: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ...} إلخ؛ أي: لو عقلوا .. لاجتمعوا على الحق ولم يتفرقوا، فناسب نفي العقل عنهم، انتهى.

وفيه تنبيه على أن من علامات الفقه (١): أن يكون خوف العبد من الله أشد من خوفه من الغير، وتقبيح لحال أكثر الناس على ما ترى وتشاهد. وعنه - صلى الله عليه وسلم -: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين".

قال بعضهم: لا ينقص الكفيل من الرجال خوفهم من سبع أو ظالم أو نحو ذلك؛ لأن الجزع في النشأة الإنسانية أصلي، فالنفوس أبدًا مجبولة على الخوف،


(١) روح البيان.