للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رحمته في الدارين تنبيه على سبق رحمته، وتبشير للعاصين أن لا يقنطوا من رحمة الله، وتنشيط للمطيعين. بأنه يقبل القليل، ويعطي الجزيل.

وحظ العبد من اسم الرحمن الرحيم أن يكون كثير الرحمة، بأن يرحم نفسه أولًا ظاهرًا وباطنًا، ثم يرحم غيره بتحصيل مراده وإرشاده والنظر إليه بعين الرحمة، كما قال بعضهم:

وَارْحَمْ بُنَيَّ جَمِيْعَ الْخَلْقِ كُلِّهِمِ ... وَانْظُرْ إِلِيْهِمْ بِعَيْنِ اللُّطْفِ وَالشَّفَقَهْ

وَقِّرْ كَبِيْرَهُمُ وَارْحَمْ صَغِيْرَهُمُ ... وَرَاعِ فِيْ كُلِّ خَلْقٍ حَقَّ مَنْ خَلَقَهْ

ومعنى الآية (١): أي إنه تعالى لا رب غيره، ولا إله في الوجود سواه، فكل ما يعبد من دونه من شجر أو حجر أو صنم أو ملك .. فهو باطل. وهو يعلم جميع الكائنات الشاهدة لنا والغائبة عنا، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماوات، وهو ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع المخلوقات، فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما.

واعلم (٢): أن لفظ {هُوَ} في قوله: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} في أصل وضعه كناية عن المفرد المذكر الغائب، وهي: كناية عن المفردة المؤنثة الغائبة. وكثيرًا ما يكنى به عمن لا يتصور فيه المذكورة والأنوثة، كما هو هاهنا، فإنه راجع إلى الله تعالى للعلم به. ولك أن تقول: هو: موضوع لمفرد ليس فيه تأنيث حقيقة وحكمًا، وهي: لمفرد يكون فيه ذلك. و {هُوَ}: مبتدأ، خبره لفظة {اللَّهُ}؛ بمعنى: هو المعبود بالحق، المسمى بهذا الاسم الأعظم، الدال على جلال الذات وكمال الصفات، فلا يلزم أن يتحد المبتدأ أو الخبر بأن يكون التقدير: الله الله؛ إذ لا فائدة فيه. أو {اللَّهُ} بدل من {هُوَ}، والموصول مع صلته خبر المبتدأ، أو {هُوَ} إشارة إلى الشأن، و {اللَّهُ} مبتدأ، و {الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} خبره، والجملة خبر عن ضمير الشأن. و {لَا} في كلمة التوحيد لنفي أفراد الجنس على الشمول والاستغراق. و {إِلَهَ} مبني على الفتح بها، مرفوع المحل على الابتداء، والمراد به: جنس المعبود بالحق، لا مطلق جنس المعبود، حقًا أو باطلًا، وإلا .. فلا يصح في


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.