للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الصورة المختصة به، أراد بالصورة: ما خص الإنسان به من الهيئة المدركة بالبصر والبصيرة، وبها فضله على كثير من خلقه.

يقول الفقير: الضمير المجرور في صورته يرجع إلى الله سبحانه لا إلى آدم، والصورة الإلهية عبارة عن الصفات السبع المرتبة، وهي: الحياة والعلم، والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام. وآدم مظهر هذه الصفات بالفعل، بخلاف سائر الموجودات. وإضافته إلى الله على سبيل الملك لا على سبيل البعضية والتشبيه بل على سبيل التشريف له كقوله: بيت الله، وناقة الله وروح الله.

وحاصل ما في المقام: أن الخالق هنا المقدر على الحكمة الملائمة لنظام العالم والبارىء الموجد على ذلك التقدير، والمصور المبدع لصور الكائنات وأشكال المحدثات بحيث يترتب عليها خواصهم ويتم بها كمالهم. وبهذا ظهر وجه الترتيب بينها. واستلزام التصورِ البَرءَ، والبرء: الخلق، استلزام الموقوف للموقوف عليه، كما قال الإِمام الغزالي رحمه الله تعالى: قد يظن أن هذه الأسماء مترادفة، وأن الكل يرجع إلى الخلق والاختراع. ولا ينبغي أن يكون كذلك، بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود يفتقر إلى التقدير أولًا، وإلى الإيجاد على وفق التقدير ثانيًا، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثًا. والله سبحانه وتعالى خالق من حيث إنه مقدر وبارىء من حيث إنه مخترع موجد، ومصور من حيث إنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب. وهذا كالبناء مثلًا، فإنه محتاج إلى مقدر يقدر ما لا بد منه من الخشب واللبن ومساحة الأرض وعدد الشقق والغرف وطولها وعرضها. وهذا يتولاه المهندس، فيرسمه ويصوره، ثم يحتاج إلى بنّاء يتولى الأعمال التي عندها تحدث وتحصل أصول الأبنية، ثم يحتاج إلى مزيِّن ينقش ظاهره، ويزين صورته، فيتولاه غير البناء. هذه العادة في التقدير والبناء والتصوير، وليس كذلك في أفعال الله تعالى، بل هو المقدر والوجد والمزين، فهو الخالق البارىء المصور.

فقدم ذكر (١) الخالق على البارىء؛ لأن الإرادة والتقدير متقدمة على تأثير القدرة، وقدم البارىء على المصور؛ لأن إيجاد الذات متقدم على إيجاد الصفات والألوان. وخاصية الاسم المصور: الإعانة على الصنائع العجيبة وظهور الثمار


(١) روح البيان.