وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ...} الآيتين في سورة براءة.
والخلاصة: لا تجاملوهم ولا تبدوا لهم الرأفة، وتستغفروا لهم كما فعل إبراهيم لأبيه؛ لأنه إنما استغفر له قبل أن يتبين له أنه عدو الله، فلما مات على الكفر .. تبين له ذلك فترك الاستغفار، وأنتم قد استبانت لكم عداوتهم بكفرهم بالرسول وإخراجكم من الديار فلا ينبغي أن تستغفروا لهم.
وقوله تعالى:{وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} من تمام القول المستثنى، فمحله النصب على أنه حال من فاعل لأستغفرن لك؛ أي: أستغفر لك، وليس في طاقتي إلا الاستغفار دون منع العذاب إن لم تؤمن. فمورد الاستثناء نفس الاستغفار لا قيده الذي هو في نفسه من خصال الخير؛ لكونه إظهارًا للعجز وتفويضًا للأمر إلى الله تعالى.
وفي هذه الآية (١) دلالة بينة على تفضيل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وذلك أنه حين أمر بالاقتداء به أمر على الإطلاق ولم يستثن، فقال:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، وحين أمر بالاقتداء بإبراهيم استثنى، وأيضًا قال تعالى في سورة الأحزاب: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦)}. فأطلق الاقتداء ولم يقيده بشيء.
والخلاصة: أي وليس في وسعي إلا الاستغفار لك، ولا أستطيع أن أنفعك بأكثر من هذا، فإن أراد الله عقوبتك على كفرك .. فلا أدفعها عنك.
ثم أخبر عن قول إبراهيم والذين معه حين فارقوا قومهم وتبرؤوا منهم، ولجؤوا إلى الله وتضرعوا إليه، فقال:{رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا} إلخ. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان من دعاء إبراهيم وأصحابه: {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا} واعتمدنا في جميع أمورنا {وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا} بالتوبة عن المعصية والإقبال على الطاعة؛ أي: المرجع في الآخرة. وتقديم الجار والمجرور في الثلاثة لقصر التوكل والإنابة والمصير على الله تعالى. وهذا من دعاء إبراهيم وأصحابه، ومما فيه أسوة حسنة يقتدى به فيها. وقيل: هو تعليم للمؤمنين أن يقولوا هذا القول. والتوكل: هو تفويض الأمور إلى