تصديقهم إياه؛ أي: أرسلت إليكم لتبليغ أحكامه التي لا بدّ منها في صلاح أموركم الدينية والدنيوية؛ لأني لم آتكم بشيء يخالف التوراة، بل هي مشتملة على التبشير بي، فكيف تنفرون عني وتخالفوني؟.
وقال أبو الليث: يعني أقرأ عليكم الإنجيل موافقًا للتوراة في التوحيد وبعض الشرائع. قال القاضي في "تفسيره": ولعله لم يقل: يا قوم، كما قال موسى؛ لأنه لا نسب له فيهم. إذ النسب إلى الآباء، وإلا فمريم من بني إسرائيل؛ لأن إسرائيل لَقَبُ يعقوب ومريم من نسله، ثم إن هذا يدل على أن تصديق المتقدم من الأنبياء والكتب من شعائر أهل الصدق، ففيه مدح لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث صدقوا الكل. وانتصاب {مُصَدِّقًا} على الحال.
{و} كذا {مُبَشِّرًا} والعامل فيهما ما في الرسول من معنى الإرسال.
والمعنى: إني أرسلت إليكم حال كوني مصدقًا لما بين يدي من التوراة، ومبشرًا {بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي} وهذا أيضًا داع إلى تصديقه عليه السلام من حيث إن البشارة به واقعة في التوراة. أي: وحالة كوني مبشرًا بمن يأتي من بعدي من رسول، وكان بين مولده وبين الهجرة ست مئة وثلاثون سنة. وقال: بشرهم به ليؤمنوا به عند مجيئه، أو ليكون معجزة لعيسى عند ظهوره. والتبشير به تبشير بالقرآن أيضًا، وتصديق له كالتوراة.
{اسْمُهُ أَحْمَدُ}؛ أي: محمد - صلى الله عليه وسلم - يريد عيسى عليه السلام: أن ديني التصديق بكتب الله وأنبيائه جميعًا ممن تقدم وتأخر، فذكر أول الكتب المشهورة الذي يحكم به النبيون والشعبي الذي هو خاتم النبيين. وقال القشيري: بشر كل نبي قومه بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، والله أفرد عيسى بالذِّكر في هذا الموضع؛ لأنه آخر نبي قبل نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فبيّن أن البشارة به عمت جميع الأنبياء واحدًا بعد واحد حتى انتهت إلى عيسى عليه السلام.
وقال بعضهم (١): كان بين رفع المسيح ومولد النبي - صلى الله عليه وسلم - خمس مئة وخمس وأربعون سنة تقريبًا. وعاش المسيح إلى أن رفع ثلاثًا وثلاثين سنة، وبين رفعه والهجرة الشريفة خمس مئة وثمان وتسعون سنة، وأمته النصارى على اختلافهم،