أي: ولله الغلبة والقوة ولمن أعزه الله من الرسول والمؤمنين.
روي: أن عبد الله بن عبد الله بن أبي - وكان مؤمنًا مخلصًا - سل سيفه على أبيه عندما أشرفوا على المدينة. وقال: لله علي أن لا أغمده حتى تقول محمد الأعز وأنا الأذل، فلم يبرح حتى قال ذلك.
وروي: أنه وقف واستل سيفه، وجعل الناس يقرون عليه حتى جاء أبوه، فقال: وراءك، قال: ما لك ويلك؟، قال: والله لا تجوز من هنا حتى يأذن لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه العزيز وأنت الذليل، فرجع حتى لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان إنما يسير ساقه - في آخر الجيش - فشكا إليه ما صنع ابنه، فأرسل إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن خل عنه يدخل، ففعل. {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} من فرط جهلهم وغرورهم، فيهذون ما يهذون. أي: لا يعلمون أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأن العاقبة للمتقين، وأن الله ينصر من ينصره، كما قال:{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}. وسننه تعالى لا تبديل فيها ولا تغيير، وهو لا بدّ جاعل عباده المؤمنين هم الأعزاء كما وعد وجعل مخالفيه هم الأذلاء، ولا دخل للمال والنشب، ولا للحسب والنسب في تلك القوة التي يمد بها من يشاء والنصرة التي يمنحها عباده المخلصين، وأن الله منجز وعده لنبيه كما أنجزه لمن قبله من رسله، وقد تم لهم الظفر على أعدائهم الضالين.
ولعل ختم (١) الآية الأولى بـ {يَفْقَهُونَ}، والثانية بـ {لَا يَعْلَمُونَ} للتفنن المعتبر في البلاغة، مع أن في الأول بيان عدم كياستهم وفهمهم، وفي الثاني بيان حماقتهم وجهلهم. وفي "برهان القرآن": الأول متصل بقوله: {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، وفيه غموض يحتاج إلى فطنة، والمنافق لا فطنة له، والثاني متصل بقوله:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} أن الله معز أوليائه ومذل أعدائه.
وعبارة "فتح الرحمن": ختم هنا بـ {لَا يَعْلَمُونَ}، وفيما مر بـ {لَا يَفْقَهُونَ}، لأن الأول متصل بقوله:{وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، وفي معرفتها غموض